الوداعى. ورحل إلى مصر فى أثناء الطلب، وأخذ العربية عن شيوخها وعلمائها مثل ابن الصائغ الحنفى ونزيلها أبى حيان الأندلسى. وسمع الحديث على علمائها كما سمعه على حفاظ الشام. ويبدو أنه نزع إلى العمل مع أبيه مبكرا فى ديوان الإنشاء بدمشق، وتخرج فيه كاتبا بارعا. وكان إلى ذلك لا يزال يأخذ عن العلماء فى زمنه بالشام ومصر، وكان أبوه يعمل أحيانا بالديوان فى دمشق وأحيانا يعطل، فكان إذا عمل لزمه، حتى إذا استدعى الناصر محمد بن قلاوون أباه لكتابة السر بالقاهرة سنة ٧٢٩ تقلّد معه هذه الوظيفة فكان هو الذى يقرأ كتب البريد ورسائله على الناصر، ونقلهما إلى دمشق فى شعبان سنة ٧٣٢ ثم أعادهما ثانية إلى القاهرة مسندا إليهما كتابة السر ورياسة ديوان الإنشاء سنة ٧٣٣ ويبدو أنه كان حادّ الطبع، ولم يتحاش عن إظهار هذه الحدة فى مخاطبته للناصر، فتغّير عليه وصرفه، وولّى أخاه علاء الدين مكانه، وكانت منزلة أبيه عند الناصر قد عظمت، وطلب أن يرجع إلى دمشق فأجابه إلى طلبه، على أن تستمر له رياسة ديوان الإنشاء فى جميع ديار السلطنة وأن يكون جميع الموظفين فى تلك الدواوين نوابه، وسرعان مالبى نداء ربه.
وعاد الناصر فى سنة ٧٤٠ فرضى عن شهاب الدين وولاه كتابة السر بدمشق، ودخلها فى المحرم سنة ٧٤١ وظل يلى وظيفته بها حتى طلب إلى القاهرة سنة ٧٤٣ لكثرة الشكايات منه وشفع فيه أخوه علاء الدين، وقبلت شفاعته وعاد إلى دمشق، وبارحها فى سنة ٧٤٩ لقضاء فريضة الحج، وتوفى بمكة ونقل تابوته إلى دمشق، ولم يكد يبلغ الخمسين من عمره.
وكان شاعرا كما كان كاتبا، نظم كثيرا من القصائد والأراجيز والمقطعات والدوبيت، غير أن شهرته الكتابية غطت على شهرته الشعرية، وقد أشاد بكتابته معاصروه من ذلك قول صلاح الدين الصفدى:«هو الإمام الفاضل البليغ المفوّه الحافظ حجة الكتّاب، إمام أهل الأدب، أحد رجالات الزمان كتابة وترسلا، وتوسلا إلى غايات المعانى وتوصلا، يتوقد ذكاء وفطنة ويتلهّب، وينحدر سيله مذاكرة وحفظا ويتصبّب، ويتدفق بحره بالجواهر كلاما، ويتألق إنشاؤه بالبوارق المستعرة نظاما، ويقطر كلامه فصاحة وبلاغة، وتندى عباراته انسجاما وصياغة، وينظر إلى غرر المعانى من ستر رقيق، ويغوص فى لجّة البيان فيظفر بكبار اللؤلؤ من البحر العميق، يكتب من رأس قلمه بديها، ما يعجز تروّى القاضى الفاضل أن يدانيه تشبيها. .
ولعل من الطريف ان ابن فضل الله جمع من كتاباته نماذج فى جميع صور المكاتبات الديوانية وضمنها كتابه النفيس:«التعريف بالمصطلح الشريف» وجعله فى سبعة أقسام أولها فى رتب