سنة ٥٦٤ وكان أسعد فى العشرين من عمره فأسلم وحسن إسلامه وهو لا يزال فى ريعان شبابه، وكان ساعد أبيه وعونه طوال عمله الديوانى إلى وفاته سنة ٥٧٧.
وكان القاضى الفاضل يعجب بابن مماتى ويسميه بلبل المجلس لظرفه، مما جعله يعينه ناظر الدواوين بمصر مع إسناد ديوانى الجيش والمال إليه، وظل له هذا العمل بقية مدة صلاح الدين وابنه العزيز والأفضل، حتى إذا ولى السلطان العادل بن أيوب سنة ٥٩٦ واستوزر الصفى بن شكر أخذ الجو يكفهر بينه وبين الوزير، بسبب ما كان يصدر منه فى حقه أيام عمله فى الديوان معه، فلم تمض مدة طويلة حتى أخذ يدبر عليه المؤامرات، وصودرت أمواله. واستتر فترة نحو عام ثم احتال فى الفرار إلى الشام، وأبعد فى فراره حتى نزل حلب سنة ٦٠٤ على سلطانها الظاهر بن صلاح الدين فأحسن استقباله، وجعل له راتبا معلوما وظل يسبغ عليه عطاياه حتى توفى هناك سنة ٦٠٦.
وصنف ابن مماتى مصنفات كثيرة عدّ له ياقوت فى معجمه منها أكثر من عشرين مصنفا، منها مؤلفات ومنها مختارات شعرية من بعض الدواوين أو من كتب الموسوعات الشعرية مثل الذخيرة لابن بسام. ومن مصنفاته «الشئ بالشئ يذكر» ويقال إن القاضى الفاضل أعجب به حين عرضه عليه وسماه سلاسل الذهب. ومن أهم مؤلفاته كتاب قوانين الدواوين الذى نشره بمصر عزيز سوريال عطية فى جزء واحد، ويبدو أنه مختصر للكتاب إذ يقول المقريزى فى خططه.
«كتابه قوانين الدواوين صنفه للملك العزيز فيما يتعلق بدواوين مصر ورسومها وأصولها وأحوالها وما يجرى فيها، وهو أربعة أجزاء ضخمة، والذى يقع فى أيدى الناس جزء واحد اختصره منها غير المصنف، فإن ابن مماتى ذكر فيه أربعة آلاف ضيعة من أعمال مصر ومساحة كل ضيعة وقانون ريّها ومتحصّلها من عين (نقد) وغلّة». ومن أهم مؤلفاته تهذيب أفعال ابن طريف فى اللغة، ويقول القفطى فى إنباه الرواة:«أجاده، وأتى فيه بالحسنى وزيادة» ومن أجله ترجم له بين اللغويين والنحاة. وله كتاب اختار العامية لغة له، هو كتاب الفاشوش فى حكم قراقوش، وسنعرض له فى غير هذا الموضع. وكان له ديوان شعرى سقط من يد الزمن. ونظم سيرة صلاح الدين كما نظم كتاب كليلة ودمنة شعرا. وكان أبوه الخطير شاعرا كما تدل على ذلك ترجمته عند العماد وفى المغرب.
وكان ابن مماتى يحسن الكتابة كما يحسن الشعر، وفيه يقول العماد: «أحد الكتاب فى الديوان الفاضلى، ذو الفضل الجلىّ، والشعر العلىّ، والنظم السّوىّ، والخاطر القوىّ، والسحر