للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن صديقه ابن مكانس يقول عنه إنه يستعين بكلام غيره، فتأذى ابن العجمى من ذلك، وتأذى ابن مكانس من كذب الناقل فكتب إليه من رسالة:

«(ليس على الأعمى حرج) بلغنى-ما بلغ سيدنا ومولانا الإمام العالم العلامة الأديب الشاعر الناظم الناثر المحقق الأمة الكاتب الحجة زين الدنيا والدين، قرة عين الكرام الكاتبين، لا زال زينة يحلى به العاطل، ويظلّ تحت جناح أدبه القائل (١) -من غيبة ذلك الضرير، ما لا خشى الله فيه بظهر الغيب، ونقل إلى المسامع الكريمة ما لا يحتاج للاعتذار عنه لما فيه من الرّيب، ولكن لا غناء لسيف ذهن المملوك الكليل من التنصل، (٢) ولا بد من نهلة اعتذار على سبيل التعلل. . ولو اختلف الأدباء على إمام لأهل هذه الصناعة مطهّر من الأرجاس (٣)، لقال لهم لسان البلاغة مروا أبا بكر فليصلّ بالناس. . والمسئول من إحسانه أمران: أحدهما الجواب فإنه يقوم عند المملوك مقام الفرج من هذه الشدة، والآخر ردّ كل فاسق عن الباب العالى فن أبا بكر أول من تصلّب (٤) فى الردة، وبلغ المملوك أن هذا الضرير قصد بعض الأصحاب برمية كهذه فأصمى (٥)، وتردّد إليه مرة أخرى ف‍ (عبس وتولّى أن جاءه الأعمى)». .

والسجعات خفيفة رشيقة مع ما يزينها من الاستعارات والجناسات، وفى كلمة «القائل» تورية واضحة، إذ لا يريد أن ابن العجمى يظل تحت جناح أدبه الأديب المتكلم القائل، وإنما يريد القائل من القيلولة ووقتها الحار فى الظهيرة، فهو غوث العائذين وملاذ المعوذين المحتاجين.

واستغل اسمه أبا بكر فى التورية باسم أبى بكر الصديق متلطفا بذكر حادث صلاته بالمسلمين نزولا على أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم له حين اشتد به المرض إذ قال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس». وعاد ابن مكانس إلى التورية بأبى بكر الصديق حين طلب من ابن العجمى أن لا يفتح بابه للواشى مقتديا فى ذلك بالصديق حين تشدد فى حروب الردة على نحو ما هو معروف. ولم يلبث أن اقتبس من الذكر الحكيم آية تصور ما ينبغى على ابن العجمى من لقاء الواشى لقاء متجهما على نحو ما تصور ذلك الآية: (عبس وتولّى أن جاءه الأعمى). ولعل فى كل ما قدمت ما يصور خفة روح ابن مكانس وعذوبة سجعه وما يشيع فيه من سلاسة.


(١) القائل: المتعب من القيلولة وهى وسط النهار
(٢) التنصل: التبرء
(٣) الأرجاس: جمع رجس وهو الإثم
(٤) تصلب: تشدد.
(٥) أصمى السهم: أصاب إصابة نافذة

<<  <  ج: ص:  >  >>