للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونلتقى فى زمن المماليك بابن المنير (١) الإسكندرى المتوفى سنة ٦٨٣ المتولى قضاء الإسكندرية وخطابتها مرتين، ويقول صاحب فوات الوفيات: «له ديوان خطب». وكان يعاصره أخطب الخطباء قاطبة أيام المماليك ابن دقيق (٢) العيد المتوفى سنة ٧٠٢ علم الأعلام وشيخ الإسلام وقاضى القضاة فى جميع ديار مصر منذ سنة ٦٩٥ إلى وفاته. ويشيد مترجموه بورعه وتقواه، ويقول السبكى: «له ديوان خطب مفرد معروف». وكان شاعرا، ويطيل مترجموه فى ذكر أشعاره، ولا يعرضون شيئا من خطبه ومواعظه إلا موعظة ذكر السيوطى أنه كتب بها إلى قاضى إخميم بالصعيد، وفيها يقول (٣):

«نحمد الله الذى (يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور)، ويمهل حتى يلتبس الإمهال بالإهمال على المغرور، ونذكّره بأيام الله (وإن يوما عند ربّك كألف سنة مما تعّدون) ونحذره صفقة من باع الآخرة بالدنيا فما أحد سواه مغبون، عسى الله أن يرشده بهذا التذكار. وتأخذ هذه النصائح بحجزته عن النار، والمقتضى لإصدارها ما لمحناه من الغفلة المستحكمة على القلوب، ومن تقاعد الهمم مما يجب للرب على المربوب، . . . وو الله إن الأمر عظيم، والخطب جسيم، ولا أرى. . إلا رجلا نبذ الآخرة وراه، واتخذ إلهه هواه، وقصر همّه وهمته على حظّ نفسه ودنياه، فغاية مطلبه حب الجاه. . فاتق الله الذى يراك حين تقوم، واقصر أملك عليه فإن المحروم من فضله غير مرحوم. . واجعل أكثر همومك الاستعداد ليوم المعاد، والتأهب لجواب الملك الجواد فإنه يقول: (فو ربّك لنسألنّهم أجمعين عما كانوا يعملون).

ولعل فى هذه القطعة ما يصور وعظ ابن دقيق العيد فى خطبه وأنه كان يتدفق فيه كالنيل العذب. مما جعل معاصريه يشيدون طويلا برقائق وعظه وكلمه التى كان يخلب بها وبما يضمنها من آى الذكر الحكيم عقول مستمعيه، فيملأ نفوسهم بالإنابة إلى الله. وكان دائما يرفع أمام أعينهم أهوال يوم المحشر يوم تجزى كل نفس بما كسبت وعملت وقدمت، فاذا هم يرتجفون ويبكون بدموع غزار، وقد خشعت قلوبهم وذابت نفوسهم وهلعوا إلى دعاء الله يستغفرونه ويتوبون إليه توبة نصوحا.


(١) انظر فى ابن المنير فوات الوفيات ١/ ١٣٢ والنجوم الزاهرة ٧/ ٣٦١ وحسن المحاضرة ١/ ٣١٦ وشذرات الذهب ٥/ ٣٨١
(٢) راجع مصادر ترجمة ابن دقيق العبد ص ١٤٦.
(٣) حسن المحاضرة ٢/ ١٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>