للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاذلى، وهو أندلسى من مرسية، ولد بها سنة ٦١٦ للهجرة، وفى الرابعة والعشرين من سنّه خرج إلى الحج، وفى طريقه توقف بتونس، وفيها تعرف على الصوفى الكبير أبى الحسن الشاذلى، وأصبح أقرب أتباعه ومريديه إليه، حتى إذا رحل إلى الاسكندرية سنة ٦٤٢ رحل معه. وكان لا يبرح مجلسه، وزوّجه ابنته، وأعلن إلى أتباعه فى جامع العطارين بالإسكندرية أنه خليفته، وكان يتقن العلوم الشرعية، ويدرّسها هى وبعض كتب الصوفية، وأقبل على دروسه الطلاب.

واستأذن شيخه فى السفر إلى القاهرة للتدريس بمساجدها ونشر طريقته بها، فأذن له، وكان يلقى دروسه فى الجامع العتيق: جامع عمرو بن العاص وجامع المقس ويسمى الآن جامع أولاد عنان بالقرب من محطة باب الحديد. وكانت حلقته فى الجامعين تزدحم بالطلاب والعلماء. وتوفى أستاذه سنة ٦٥٦ فخلفه على الطريقة، وكان أكثر مقامه بالإسكندرية، ومن حين إلى حين ينزل القاهرة، ناشرا هنا وهناك الطريقة الشاذلية، ولتلميذه ابن عطاء الله كتاب قصره عليه وعلى أستاذه الشاذلى سماه «لطائف المنن فى مناقب أبى العباس المرسى وشيخه أبى الحسن» ويعد جامعه اليوم أكبر جوامع الإسكندرية، ويورد ابن عطاء الله كثيرا من أقواله، كما يورد له وردا أو حزبا نقتطف من ابتهالاته وأدعيته قوله (١):

«اللهم إنا نسألك الخوف منك والرجاء فيك، والمحبة لك، والشوق إليك، والأنس بك، والرضا منك، والطاعة لأمرك، على بساط مشاهدتك، ناظرين منك إليك، وناطقين بك عنك. . اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيننا وبين الصدق والنية والإخلاص والخشوع والهيبة والحياء والمراقبة ونور اليقين والعلم والمعرفة والحفظ والعصمة والنشاط والقوة والستر والمغفرة والفصاحة والبيان والفهم فى القرآن وخصّنا منك بالمحبة. . وآتنا العلم اللدنىّ والعمل الصالح والرزق الهنىّ على بساط علم التوحيد والشرع. . وسخّر لى الرزق واعصمنى من تعلق الهمة به ومن الذل للخلق بسببه. . وهب لى لسانا لا يفترعن ذكرك وقلبا يسمع بالحق منك. . وبغّض لنا الدنيا وحبّب لنا الآخرة. . اللهم لا تعذبنا بإراداتنا وحب شهواتنا فنشتغل أو نحجب أو نفرح بوجود مرادنا أو نحزن أو نسخط. . وأنت أعلم بقلوبنا فارحمنا بالنعيم الأكبر والمزيد الأفضل والنور الأكمل».


(١) لطائف المنن لابن عطاء الله على هامش كتاب لطائف المنن والأخلاق للشعرانى (طبع المطبعة الميمنية بمصر) ٢/ ٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>