للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والورد طويل ويتخلله كثير من الآيات القرآنية، وهو مناجاة روحية صافية للذات العلية.

ويتضح فيه كيف تجمع الطريقة الشاذلية بين علم الشريعة وعلم الحقيقة الصوفية، ولعل ذلك ما جعلها تشدّد على أتباعها فى أن لا يلبسوا المرقّعات وأن لا يسألوا الناس شيئا مما فى أيديهم من مال أو غذاء مع الاعتماد على النفس فى كسب القوت عن طريق التجارة والزراعة وغيرهما. وبذلك وصلت بين أتباعها والحياة والشريعة، وسنخص ابن عطاء الله تلميذ أبى العباس المرسى بترجمة قصيرة. ومن متصوفة مصر المعاصرين لأبى العباس عبد العزيز (١) الدّميرىّ الدّيرينىّ، ولد بقرية دميرة بالقرب من دمياط سنة ٦١٢ وتوفى بديرين فى الصعيد سنة ٦٩٤ وكان يتجول فى ريف مصر شمالا وجنوبا، وكان فقيها شافعيا، ونظم كتاب التنبيه لأبى إسحاق الشيرازى، ونظم سيرة نبويّة، وكان له تفسير فى مجلدين. وكان متقشّفا مخشوشنا، وله فى التصوف كتاب «طهارة القلوب فى ذكر علام الغيوب» وهو يمتلئ بمناجيات إلهية بديعة من مثل قوله:

«إلهى، عرّفتنا بربوبيّتك، وغرّقتنا فى بحار نعمتك، ودعوتنا إلى دار قدسك، ونعّمتنا بذكرك وأنسك.

إلهى، إن ظلمة ظلمنا لأنفسنا قد عمّت، وبحار الغفلة على قلوبنا قد طمّت، فالعجز شامل، والحصر (٢) حاصل، والتسليم أسلم، وأنت بالحال أعلم.

إلهى، ما عصيناك جهلا بعقابك، ولا تعرّضا لعذابك، ولكن سوّلت (٣) لنا نفوسنا، وأعانتنا شقوتنا، وغرّنا سترك علينا، وأطمعنا فى عفوك برّك بنا، فالآن من عذابك من يستقذنا؟ وبحبل من نعتصم إن قطعت حبلك عنا؟ واخجلتنا من الوقوف غدا بين يديك، وافضيحتنا إذا عرضت أعمالنا القبيحة عليك.

اللهم اغفر ما علمت، ولا تهتك ما سترت.

إلهى، إن كنا عصيناك بجهل فقد دعوناك بعقل، حيث علمنا أن لنا ربّا يغفر الذنوب ولا يبالى».

وهى مناجاة لله بديعة صافية كل الصفاء نقية كل النقاء، مناجاة تنبئ عن قصور العبد وتعلقه


(١) انظره فى طبقات الشافعية للسبكى ٨/ ١٩٩ وحسن المحاضرة ١/ ٤٢١ والشعرانى ١/ ٢٢٤ ومناجاته المذكورة فى السبكى
(٢) الحصر: العى.
(٣) سوّلت: أغرت، وتقال فى الشرور والسوء.

<<  <  ج: ص:  >  >>