بالهجرة إلى شاذلة بالقرب من تونس فى إفريقية الوسطى، فهاجر إليها، وهناك أخذ ينشر فى الناس الدعوة إلى التصوف، ولصقت البلدة باسمه حتى اشتهر باسم الشاذلى وكان يتركها أحيانا إلى تونس وفيها تعرّف بتلميذه أبى العباس المرسى وتوثقت الصلة بينهما فى الله ومحبته حتى قال له الشاذلى يوما:«ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا»
وهاجر الشاذلى وتلميذه أبو العباس وجمع من مريديه إلى الاسكندرية فى سنة ٦٤٢ وبها ألقى عصا تسياره، وذاع صيته لا فى الإسكندرية وحدها، بل أيضا فى القاهرة، إذ كان يتردد عليها لنشر طريقته الصوفية، وكان يحضر مجالسه فى مدرسة الحديث الكاملية شيوخ الإسلام حينئذ وأكابر العلماء من الفقهاء والمحدثين والمفسرين. . وكان يلقى دروسه ومواعظه فى الاسكندرية بجامع العطارين. وطار صيته فيها وفى القاهرة والمدن المصرية، فانهال المصريون عليه، يطلبون القرب من الله على يديه، وفى هذه الأثناء أصاب عينيه رمد أفقده بصره. وكان يعجب بأبى العباس المرسى منذ لقائه به فأعلن فى أتباعه-كما مر بنا-أنه خليفته على طريقته، وهى تقوم على التمسك بالكتاب والسنة والشريعة المحمدية بجانب النسك والعبادة وصدق القلب. والشعور الباطنى الصوفى.
وهاجم الشاذلى بقوة حياة الخانقاهات والتسول التى كان يعيشها الدراويش الرحّل، فعنده أن الصوفى الحقيقى لا يكون سائلا ولا طفيليا يمد يده للغير، بل لا بد أن يعتمد على نفسه فى كسب قوته، فتصوّفه أو طريقته الصوفية كانت طريقة سنية. وكان يدعو مريديه لحمل السلاح ضد أعداء الإسلام الصليبيين، وكان يرحل معهم إلى ميادين الحرب كما حدث فى موقعة المنصورة المشهورة لعهد السلطان نجم الدين أيوب وابنه توران شاه حين اقتحم لويس التاسع ملك فرنسا دمياط وتقدم منها سنة ٦٤٧ بجيشه نحو المنصورة إذ نجده مع مريديه هناك، ونجد معه شيوخ الدين وعلماءه الكبار من مثل العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد ومحيى الدين بن سراقة وغيرهم من جلّة الشيوخ. وحدث أن تكلموا يوما واعظين، وجاء الدور فى الكلام والخطابة على أبى الحسن، فتكلم-كما يقول الرواة-بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة، وانبهر الشيخ العز بن عبد السلام، فقام هاتفا منبهرا قائلا: اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله». وأنزل الجيش المصرى بالصليبيين هزيمة ساحقة، واستسلم ملكهم لويس التاسع ذليلا كسيرا، وارتحلوا عن دمياط خاسئين مدحورين إلى البحر المتوسط وماوراءه.