حاربت مصر لعهد المعز أول الخلفاء الفاطميين سنة ٣٦٠ تحت لواء الأعصم القرمطى. وكان قد استولى على دمشق والرملة ودخل مصر والتقى بالجيش الفاطمى فى عين شمس بالقرب من القاهرة وكاد يكتب له النصر لولا خروج بعض قواده عليه وانضمام القبائل سالفة الذكر إلى الجيش المصرى. وبذلك دارت عليه الدوائر فعاد إلى الشام ومنها إلى البحرين موطنه. وأسكن المعز تلك القبائل القيسية الصعيد، لعله يمكن الانتفاع بها فى المستقبل. وحانت الفرصة لذلك فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر (٤٢٧ - ٤٨٧ هـ) إذ خرج عليه المعز بن باديس الصنهاجى صاحب تونس والقيروان سنة ٤٤٣ وأعلن العودة إلى المذهب المالكى السنى وتبعيته للخليفة العباسى القائم بأمر الله، وانفصل بذلك الجناح الغربى للدولة الفاطمية ولم تقم للمذهب الشيعى الفاطمى قائمة فى تلك الأنحاء منذ هذا التاريخ. واستشاط المستنصر غضبا، وأشار عليه وزيره اليازورى أن يسلط عليه القبائل القيسية النازلة بالصعيد منذ أيام جده المعز، فاتصل بشيوخهم ووعدهم أن تكون ديار طرابلس وتونس وكل ما تحت يد المعز إقطاعا لهم وأيضا كل ما يمتلكونه من بلاد المغرب وسرعان ما لبّته جموعهم، وخرجت إلى المغرب: إلى تونس وإفريقية، واستولت فى سنة ٤٤٣ على برقة بزعامة يحيى الرياحى وتملك بنوزغبة فى سنة ٤٤٦ طرابلس، واتجهت هلال ورياح والأثبج وعدى إلى إفريقيا وأضرموها نارا بقيادة زعيمهم مؤنس بن يحيى الرياحى وحاول المعز بن باديس أن يقربه منه مجزلا له العطايا ولم يغن ذلك عنه شيئا. ونازل تلك الجموع ودحرته وأنزلت به هزائم متوالية، مما اضطره أن يخلى لهم القيروان وأن يكتفى بالمهدية وبلدان صغيرة حولها.
واكتفى بها من بعده ابنه تميم الذى حكم بعده إلى نهاية القرن الخامس. وأخذت تتضعضع الإمارة بينما تحول إقليم تونس والجزائر إلى إقطاعيات صغيرة يحكمها هلاليون أو زناتيون إلى أن أعادت دولة الموحدين إلى شطر كبير من المغرب وحدته.
ويبدو أنه حين ارتضت هذه القبائل القيسية هجرتها إلى المغرب أرسلت إلى عشائرها فى الجزيرة العربية أن تقدم عليها لتشاركها فى هذه الهجرة الكبيرة وأن عشائر فعلا لبّت دعوتها، يدل على ذلك أننا نجد القاصّ للسيرة أو قصاصها استغلّوا فيها قصة فتاة جميلة من بنى هلال هى الجازية بنت الحسن بن سرحان عشقها فتى من عشيرتها وأراد الزواج منها وتصادف أن أمير مكة شكر بن أبى الفتوح (٤٣٠ - ٤٥٣ هـ) رآها وأعجب بها، وطلب يدها من أبيها فآثره على عشيقها، وزوّجها منه. ثم حدث أن أغضب شكر عشيرتها، ورأوا الانتقام منه فاحتالوا عليه لأخذ الجازية وحرمانه منها، فادعوا أنهم يريدونها لزيارة أبويها فى نجد، حتى إذا قدمت معهم