للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمه وخاله من سادتهم، إذ لا يغنى القبيلة أحد غناءه ولا يذود عن حماها ذياده، ويصور لنا فى نفس القصيدة شجاعته وجرأته تصويرا باهرا إذ يقول:

بكرت تخوّفنى الحتوف كأننى ... أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل (١)

فأجبتها إن المنيّة منهل ... لا بد أن أسقى بكأس المنهل (٢)

فاقنى حياءك لا أبالك واعلمى ... أنى امرؤ سأموت إن لم أقتل (٣)

إن المنيّة لو تمثّل مثّلت ... مثلى إذا نزلوا بضنك المنزل (٤)

والخيل ساهمة الوجوه كأنما ... تسقى فوارسها نقيع الحنظل (٥)

فهو لا يستمع إلى تخويف صاحبته له مما قد يلقاه من المكاره والمتالف بسبب تهافته على الحروب، بل إنه ليصمّ أذنيه عن ندائها قائلا لها إن المنية مورد كل إنسان ولا بد أن أموت، فليكن موتى شريفا فى ميدان الحروب. ويدعوها أن تصون حياءها، فهو ميت على كل حال، وخير له أن يموت مناضلا عن قومه مدافعا عن نسائهم وأطفالهم وضعفائهم. ولا يلبث إحساسه ببطولته أن يتضخم فى نفسه، فإذا هو يتصور أن المنية لو خلقت فى مثال لكانت فى مثل صورته وخلقته وهو يقتحم الصفوف، والخيل ساهمة من هول الحرب، والفرسان كالحة وجوههم كأنما يشربون من نقيع الحنظل.

وقد طارت شهرة عنترة بالفروسية والشجاعة النادرة منذ الجاهلية، وما زالت ذاكره عالقة بأذهان العرب إلى اليوم، فهو مثلهم الأعلى فى البسالة والبطولة الحربية، وقد اتّخذت من أخباره نواة للملحمة المعروفة باسمه والتى يمكن أن تعد إلياذة العرب، وهو فيها يحارب فى الجزيرة العربية وخارجها فى الحبشة وإيران وبلاد الروم والفرنج وشمال إفريقية والأندلس، وينازل الصليبيين. وبذلك كانت هذه القصة أو السيرة تلخص تاريخ العرب وملحمة فروسيتهم فى الجاهلية وفى الفتوح الإسلامية وبعد الفتوح فى حروبهم مع الروم والصليبيين فى الشرق والغرب.

ونحن لا نعنى الآن بعنترة الأسطورة، إنما نعنى بعنترة الفارس الجاهلى الذى


(١) الحتوف: المتالف.
(٢) منهل: مورد.
(٣) اقنى: احفظى وصونى.
(٤) الضنك: الضيق.
(٥) ساهمة: متغيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>