للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينالا شرف النصر جميعا. ويلمع أمام عينيه يوم فيف الريح وما أظهر فيه من بسالة، ويقول إنه لم يبرح موضعه فى ميدان القتال، حتى غرق نحره وصدر فرسه بالدماء.

واشتهر عامر كما مر بنا بمنافرته لعلقمة بن علاثة ابن عمه، بسبب منافستهما على سيادة عشيرتهما، وقد احتكما إلى هرم بن قطبة الفزارى، فسوّى بينهما-كما مر بنا- فى عبارته المأثورة إذ قال لهما: «أنتما كركبتى البعير الأدرم (الفحل) تقعان إلى الأرض معا». وقد تقدم أن الأعشى كان ممن وقفوا فى صف عامر ضد علقمة.

وقد وفد عامر على الرسول صلى الله عليه وسلم سنة تسع للهجرة، غير أن الله لم يوفقه للإسلام، فمضى على وجهه، والرسول غضبان عليه، ولم يلبث أن مات بالطاعون عن اثنتين وستين سنة.

ولا نغلو إذا قلنا إن أهم فارس احتفظت به ذاكرة العرب فى أجيالهم التالية إلى يومنا الحاضر هو عنترة بن شداد (١) (وقيل ابن عمرو بن شداد) العبسىّ، وكان أبوه من أشراف عبس، أما أمه فكانت حبشية يقال لها زبيبة، وقد ورث عنها سواده، ولذلك كان يعد من أغربة العرب، كما ورث عنها تشقق شفتيه، ولذلك كان يقال له عنترة الفلحاء. وكان من عادة العرب فى الجاهلية إذا استولدوا الإماء أن يسترقوا أبناءهم ولا يلحقوهم بأنسابهم إلا إذا أظهروا نجابة وشجاعة.

ومن ثم لم يعترف شداد بعنترة ابنا له إلا بعد ما أبداه من بسالة فى حروب داحس والغبراء وغيرها. وقد ظل يذكر هذا الجرح الذى أصابه فى الصميم، وفى ذلك يقول (٢):

إنى امرؤ من خير عبس منصبا ... شطرى، وأحمى سائرى بالمنصل (٣)

وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيرا من معمّ مخول (٤)

وواضح أنه يشير إلى كرم أصله الأبوى فى شطره الأول، أما شطره الثانى من جهة أمه فتنوب عنه شجاعته واقتحامه للحروب حتى غدا فى قومه خيرا ممن


(١) انظر فى عنترة الأغانى (طبعة دار الكتب) ٨/ ٢٣٧ والشعر والشعراء ١/ ٢٠٤ وما بعدها والخزانة ١/ ٥٩ وراجع ديوانه برواية الأصمعى، فى مخطوطة الشنتمرى «شرح الدواوين الستة» بدار الكتب المصرية. وقد طبع مصطفى السقا نص المخطوطة بشرح مختصر فى مجموعة «مختار الشعر الجاهلى». وطبع الديوان طبعات أخرى فى بيروت والقاهرة وليدن.
(٢) مختار الشعر الجاهلى ص ٣٨٨.
(٣) منصبا: أصلا. المنصل: السيف.
(٤) تلاحظت: نظرت من يقدم على العدو.

<<  <  ج: ص:  >  >>