أو الوفادتين جميعا، وعنى عبد الرحمن الأوسط ببناء أسطول لحراسة الثغور على المحيط الأطلسى وعلى البحر المتوسط وفتح به سنة ٢٣٤ جزائر البليار ميورقه ومنورقة ومما يذكر له بنيانه ثغر مرسية على مقربة من ساحل البحر المتوسط. وفى أواخر أيامه أشعل المتعصبون من أحبار النصارى فتنة دينية ضد الإسلام والمسلمين، وأثاروا بعض القسس والشباب فكانوا يجاهرون بسبّ الدين الحنيف ومقدساته حتى إذا لم يبق فى قوس الصبر منزع طلب عبد الرحمن إلى رئيس الأساقفة عقد مجمع كنسى فى قرطبة للنظر فى هذه المحنة، وعقد المجمع وأصدر قرارا باستنكار هذه الفتنة الحمقاء وتحريم سب الإسلام. وهدأت الأمور، ولم يلبث عبد الرحمن أن لبّى نداء ربه فى سنة ٢٣٨ للهجرة.
وولى بعده ابنه محمد بعهد منه، وطالت إمارته فى الأندلس حتى وفاته سنة ٢٧٣ للهجرة، وكان محبا للعلوم مؤثرا لأهل الحديث حسن السيرة، وزاد فى ترتيب الأداة الحكومية مستكثرا من الوزراء حتى بلغوا ثلاثة وعشرين فى عهده. وكان مثل آبائه يعامل المسيحيين معاملة حسنة، وفسح للمستعربين منهم ممن اتخذوا العربية لسانا لهم فى مناصب الدولة، من ذلك تعيينه لقومس بن أنتنيان متولى جمع الضرائب من أهل الذمة للدولة كاتبا له سنة ٢٤٦ ولم يلبث أن أسلم وحسن إسلامه ويذكر أنه استعفى الأمير محمدا أثناء اعتناقه النصرانية من العمل يوم الأحد، فأعفاه وأعفى جميع الموظفين، وأصبح ذلك بعده-كما يقول ابن حيان-عامّا فى الأندلس. وفى سنة ٢٤٥ أغار النورمان غارتهم الثانية على شواطئ الأندلس الغربية على المحيط وشواطئها الشرقية على البحر المتوسط وصدّهم الأسطول ونكّل بهم، فلم يعودوا بعد ذلك للإغارة على الأندلس.
وكثرت الفتن والحروب فى عهد الأمير محمد كما كثرت الثورات، وفى مقدمتها ثورة عبد الرحمن بن مروان الجليقى فى بطليوس بالغرب سنة ٢٦٠ وثورة عمر بن حفصون فى مالقة سنة ٢٦٧ ودخل فى هذه الثورات عناصر جديدة من المسالمة (المسلمين الجدد) والمولدين (أبناء وأحفاد من أسلموا من الإسبان) وتحيزت النصارى إلى هؤلاء الثوار وصاروا إلبا على العرب يقولون نحن أولى بحكم الأندلس لأنها بلدنا ووطننا. وظلت الثورتان المذكورتان محتدمتين وظلت جيوش الأمير محمد تحاول القضاء على هذه الفتن مع خروجها من حين إلى حين لحرب المسيحيين فى الشمال. وكان مشغوفا بالبنيان فزاد قصور آبائه فخامة، وبنى لنفسه قصرا أنيقا فى الجنوب الغربى لقرطبة.
وخلف محمدا فى حكم الأندلس ابنه المنذر لمدة عامين شغل فيهما بحرب عمر بن حفصون فى قلعة ببشتر بين مدينتى رنده ومالقة، وحصره فيها، غير أن الأجل وافاه أثناء