للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحصار، فعاد به أخوه عبد الله إلى قرطبة فى صفر سنة ٢٧٥ وولى الامارة بعده. وكان عبد الله يكثر من تلاوة القرآن والتهجد وصلاة الجماعة مع العامة، وكان مجلسه يحفل بطبقات أهل الآداب والعلوم، وفتح للعامة بابا فى قصره لأخذ رقاعهم والنظر فى ظلاماتهم، وبذلك انتعشت الرعية فى عهده، غير أن الثورات والفتن تفاقمت تفاقما شديدا فى أيامه، حتى لقد كادت تعم كور الأندلس، إذ ماجت جميعها بالفتنة والثورة بين المولدين والمسالمة والنصارى من جهة وبين العرب من جهة ثانية أو بين البربر والعرب أو بين العرب بعضهم وبعض فبجانب ثورتى عبد الرحمن بن مروان الجليقى وابن حفصون كانت هناك ثورات عبد الملك بن أبى الجواد فى باجة وابن وضاح فى لورقة بكورة مرسية وغيرهما كثيرون، سوى من ثار من البربر أمثال بنى ذى النون فى شنتبرية. وفى أثناء هذه الفتن والثورات التى امتدت فى عهد الأمير محمد وطوال عهد ابنيه المنذر وعبد الله استطاع ألفونس الثالث ملك ليون والجلالقة أن يوسع رقعة مملكته حتى شملت الحوض الممتد بين نهرى الدويرة والتاجه وأنشأ به عددا كبيرا من الأديرة والكنائس، وأسكن هذه الأراضى الجديدة المستعربين من نصارى الإسبان الذين قدموا عليه من أرجاء الأندلس وتوفى عبد الله سنة ٣٠٠ للهجرة.

وكان لابد للأندلس من حاكم قوى حازم يعيد إليها وحدتها، ويبدو أن الأمير عبد الله شعر بذلك فى عمق مما جعله يعد للأمر عدته برعايته لحفيد له صنعه على يديه هو عبد الرحمن، اتخذه وليا لعهده، وكان يملك قلبه وقلوب الحاشية والرعية والجند، وكان شابّا له اثنتان وعشرون سنة، وهاله ما رأى فى الأندلس من كثرة الثورات، وفى مقدمتها ثورة عمر بن حفصون ومن قادهم من المولدين والمسالمة والعجم، فقاد إليه جيشا فى أول سنة من سنى حكمه، واستولى فى طريقه إلى مركز ثورته فى ببشتر بالقرب من مالقة على سبعين حصنا، وأعاد الكرة إليه فى السنة التالية وردّ إلى طاعته إشبيلية وشذونة ومالقة. ولم يجد ابن حفصون مفرا فى السنة الثالثة من إعلان طاعته والانقياد إليه، وتوفى سنة ٣٠٥ وتبين أنه كان قد تنصر إذ دفن فى كنيسة ببشتر، وثار أبناؤه على عبد الرحمن وقضى على ثوراتهم نهائيا سنة ٣١٤ وحوّل كنيسة البلدة إلى مسجد، واستخرج منها جثة ابن حفصون وصلبه بقرطبة، وعاد جنوب البلاد جميعه إلى طاعته. واتجه عبد الرحمن بعد ذلك إلى غربى الأندلس وعبد الرحمن بن مروان الجليقى، ولم تكد تدخل سنة ٣١٨ حتى كان الغرب كله قد استسلم، واستسلمت طليطلة وجميع البلدان فى إقليمها. وبذلك محا عبد الرحمن فكرة الثورة فى الأندلس وعاشت فى أمن ورخاء. وأخذ منذ السنوات الأولى من حكمه يفرض

<<  <  ج: ص:  >  >>