التدبير إلى ابنه عبد الملك، فأساء السيرة وحاصره المأمون بن ذى النون، فاستغاث بالمعتمد بن عباد أمير إشبيلية، فوجه إليه ابنه الظافر سنة ٤٦٢ فى عسكر كثيف ففك ابن ذى النون حصاره، وغدر الظافر بعبد الملك فخلع بنى جهور عن قرطبة ونفاه مع أبيه إلى شلطيش فى الجنوب الغربى للأندلس، واغتال حريز بن عكاشة الظافر ليلا، فأقبل المعتمد بجنوده وهرب ابن عكاشة ولحقته خيل فقتلته، ودخل المعتمد قرطبة وولى عليها ابنه المأمون فظل يدير شئونها إلى أن قتله المرابطون سنة ٤٨٤ للهجرة.
وتعدّ إمارة إشبيلية أهم إمارات الطوائف لما قادت من حركة أدبية وعلمية كبرى ولما صار إليها من بلدان كثيرة فى شرقى الأندلس وغربيها، وأول من جمع زمام الحكم بيده بها قاضيها محمد بن إسماعيل اللخمى منذ سنة ٤١٤ إلى أن توفى سنة ٤٣٣ وخلفه ابنه عباد الملقب بالمعتضد وكان جبارا سفاكا للدماء وأحاط نفسه بكوكبة كبيرة من الشعراء واتسع بسلطانه على حساب جيرانه من العرب والبربر بينما كان يرهب المسيحيين فى الشمال رهبة شديدة حتى ليدفع لهم الجزية صاغرا، وبذلك كان معولا كبيرا لهدم الإسلام والعروبة فى الأندلس. وتوفى سنة ٤٦١ فخلفه ابنه المعتمد وفى عهده بلغت الإمارة الذروة فى السلطان إذ دان له كثير من البلدان فى غربى الأندلس مثل قرمونة وشريش وشلب وفى شرقيها مثل مالقة ومرسية، وظل مثل أبيه يدفع الجزية صاغرا لملك ليون وقشتالة، وكان شاعرا واجتمع له من الشعراء ما لم يجتمع لأى حاكم أندلسى، وكان مولعا بالشراب ومجالس الغناء، وعزله يوسف بن تاشفين فى عبوره سنة ٤٨٤ ونفاه إلى أغمات فى المغرب، وبها توفى سنة ٤٨٨ للهجرة.
وقامت فى الجنوب إمارة ثالثة هى إمارة غرناطة تملكتها صنهاجة وأول أمرائهم بها زاوى بن زيرى الذى اشتهر بهزيمته لخيران أمير المرية حين بايع المرتضى المروانى بالخلافة وزحف به على غرناطة. وخاف الكرة عليه من أهل الأندلس فرحل بما حازه من الأموال والذخائر إلى موطنه فى المغرب، وخلفه بغرناطة ابن أخيه حبوس بن ماكسن (٤١٠ - ٤٢٩ هـ) وورثه ابنه باديس (٤٢٩ - ٤٦٥ هـ) وكان من أبطال الحروب وعظم سلطانه بهزيمته لزهير صاحب المرية وقتله سنة ٤٢٩ هـ وخلفه حفيده عبد الله بن بلقّين، وظل على غرناطة، إلى أن سلمها ليوسف بن تاشفين سنة ٤٨٤ للهجرة.
وقامت فى الثغر الأعلى إمارة سرقسطة، ثار بها منذر بن يحيى التجيبى ممدوح ابن درّاج، وتوفى سنة ٤١٤ فخلفه عليها ابنه المظفر يحيى وبعده ابنه منذر، وكان له ابن عم متهور كثير الحسد له فدخل عليه قصره وقتله، فانتهز الفرصة واليه على لاردة-وقيل