للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا شربت فإننى مستهلك ... مالى، وعرضى وافر لم يكلم (١)

وإذا صحوت فما أقصّر عن ندى ... وكما علمت شمائلى وتكرّمى

ويتحدث إليها عن فروسيته وبسالته فى الطعن والنزال وصراع الأقران وكيف ينصبّ عليهم كالقضاء النازل أو كشواظ من نار يحرق ويصمى. ولا يلبث أن يعود إلى الحديث عن كرم نفسه وشرف طباعه، فيقول:

يخبرك من شهد الوقائع أننى ... أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم (٢)

فهو يقدم فى أهوال الحروب وخطوبها، أما عند الأسلاب فيتردد ويحجم ويتعفف وكأنه ليس صاحبها. إنه لا يحارب من أجل الأسلاب والغنائم، وإنما يحارب ليكسب لقومه شرف الانتصار. وما يزال يحدثنا فى شعره عن كرامته، وشعوره القوى بعزته وأنه لا يقبل الضيم والهوان، يقول فى لاميته (٣):

ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتى أنال به كريم المأكل

فالجوع حتى الموت خير من الطعام الخبيث الدنئ. وعلى هذه الشاكلة ما تزال تلقانا فى أشعاره معان نبيلة، وهى معان ارتفعت عنده إلى أروع صورة للنبل الخلقى، حتى لنراه يرقّ لأقرانه الذين يسفك دماءهم، يقول-فى معلقته- وقد أخذه التأثر والانفعال الشديد لبطشه بأحدهم:

فشككت بالرّمح الطويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم (٤)

فهو يرفع من قدر خصمه، فيدعوه كريما، ويقول إنه مات ميتة الأبطال الشرفاء فى ساحة القتال. وكان يجيش بنفسه إحساس عميق نحو فرسه الذى يعايشه ويعاشره حين تنال منه سيوف أعدائه ورماحهم، يقول مصورا آلامه وجروحه الجسدية وقروحه النفسية:


(١) يكلم: يجرح.
(٢) الوغى: الحرب.
(٣) مختار الشعر الجاهلى للسقا ص ٣٨٧، والطوى: ضمور البطن، ويريد به الجوع الشديد.
(٤) يريد بالثياب جسده وبدنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>