يسمون آل جفنة، وأول ملك من ملوكهم يمكن الاطمئنان إلى أخباره من الوجهة التاريخية هو جبلة الذى غزا فلسطين سنة ٤٩٧ للميلاد، وخلفه ابنه الحارث (٥٢٨ - ٥٦٩) ويسمى أحيانا الحارث بن أبى شمر، وقد لعب دورا مهمّا فى حروب الإمبراطور جستنيان ضد الفرس وعرب العراق، فأنعم عليه بالإكليل، واعترف بسيادته المطلقة على جميع العرب فى الشام ومنحه لقب فيلارك ومعناه شيخ القبائل، ولقب البطريق، وهو أعظم الألقاب فى الدولة البيزنطية بعد لقب الملك. وقد اشتبك مع المنذر بن ماء السماء أمير الحيرة فى حروب طاحنة، وقع فى أثنائها أحد أبنائه فى قبضته سنة ٥٤٤ فقدمه المنذر ضحية للعزّى. وثأر الحارث لنفسه فى يوم حليمة بالقرب من قنسرين سنة ٥٥٤ إذ أوقع بالمنذر موقعة فاصلة قتل فيها، وفى أمثال العرب:«ما يوم حليمة بسرّ».
وتعد أيام الحارث بن جبلة أزهى أيام مرت بالغساسنة، إذ امتد سلطانهم من بطرا إلى الرصافة شمالى تدمر. وكانوا قد دخلوا فى المسيحية منذ القرن الرابع الميلادى، وزار الحارث القسطنطينية، فاستقبل استقبالا حافلا، واستطاع أن يقنع أولى الأمر هناك بتعيين يعقوب البرادعى أسقفا على الكنيسة المونوفيستية السورية فنشر عقيدته فى سوريا وبين الغساسنة. وخلفه ابنه المنذر (٥٦٩ - ٥٨١) فسار سيرته فى تأييد العقيدة المونوفيستية التى لم تكن تتفق مع عقيدة البيزنطيين الرسمية، كما سار سيرته فى حروبه مع المناذرة، فاشتبك مع قابوس ملك الحيرة منذ سنة ٥٧٠ فى سلسلة معارك أهمها معركة عين أباغ وفيها انتصر عليه انتصارا حاسما تغنى به الشعراء طويلا. وتدل الدلائل على أن خلافا نشب بينه وبين البيزنطيين، لعل مرجعه إلى تأييده للعقيدة المونوفيستية، وربما خافوا منه أن يثور عليهم كما ثارت الزباء على الرومان من قبل، فحرموه من الإعانات التى كانوا يقدمونها إليه وإلى أبيه، وقلبوا له ظهر المجنّ، ولكنهم عادوا إلى مصالحته، حتى إذا حانت لهم فرصة منه قبضوا عليه ونفوه إلى صقلية، وثار أبناؤه بقيادة النعمان عليهم، غير أنه لقى نفس المصير حوالى سنة ٥٨٤.
ومنذ هذا التاريخ تمزقت وحدة الغساسنة، إذ تجزأت إماراتهم أجزاء، على كل جزء أمير كبير أو صغير، ويلمع اسم الحارث الأصغر، ويظهر أن جيوشه كانت