للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفوائدها، وقلما تجد له كتابا كان فى خزانته إلا وله فيه قراءة ونظر من أى فن كان من فنون العلم، يقرؤه ويكتب فيه بخطه-إما فى أوله أو فى آخره أو فى تضاعيفه-نسب المؤلف ومولده ووفاته والتعريف به وأنساب الرواة له، ويأتى من ذلك بغرائب لا تكاد توجد إلا عنده لكثرة مطالعته. . وصار كل ما كتبه حجة عند شيوخ الأندلسيين وأئمتهم، ينقلونه من خطه ويحاضرون به (١)». وطبيعى أن تبلغ الحركة العلمية بالأندلس فى عهده كل ما كان يؤمل لها من ازدهار لا بفضل ما وضعه تحت أعين العلماء من أمهات الكتب فى العلوم اللغوية والدينية وعلوم الأوائل من طب وغير طب فحسب، بل أيضا بفضل ما أغدق عليهم من الرواتب الجزيلة. ولم يكن الحكم يقصر الرواتب على العلماء المتخصصين الذين يحاضرون الطلاب فى المساجد، بل كان يعممها فى المؤدبين الذين يعلمون أولاد الفقراء والمساكين فى الكتاتيب (٢) ومرّ بنا أنه أنشأ فى قرطبة سبعة وعشرين كتّابا، سوى ما كان بها قبله من الكتاتيب، ويقول ابن الأبار إنه أفاء على العلم بما بسط عليه من المال، ونوّه بأهله ورفع ذكرهم، ورغّب الناس فى طلبه، ووصلت عطاياه وصلاته إلى فقهاء البلدان النائية عن بلده (٣).

وولى بعد الحكم المستنصر ابنه هشام المؤيد، وكان فى الحادية عشرة من عمره، واستبد بالسلطان وتدبير الدولة حاجبه أو رئيس وزرائه المنصور بن أبى عامر، لا ينازعه فى ذلك منازع طوال حياته، وله وقائع كثيرة مع النصارى فى الشمال انتصر فيها دائما واستولى منهم على برشلونة وحصونا وبلدانا أخرى كثيرة، مما حبّب الناس فيه. وأعلى مراتب العلماء وجعل لهم فى كل أسبوع يوما يجلس لهم فيه ويتناظرون بين يديه (٤)، وكان يجزل الرواتب والعطايا لهم، ووفد عليه بعض علماء المشرق فأكرم وفادتهم عليه، على نحو ما هو معروف من وفادة صاعد بن الحسن البغدادى اللغوى، وألف له فى اللغة كتبا مختلفة نال بها منه أموالا جمة، منها كتابه الفصوص ألفه على شاكلة كتاب الأمالى لأبى على القالى، وحين قدمه إليه أمر له توا بخمسة آلاف دينار (٥). وكان يعنى بالفقهاء


(١) ترجمة الحكم فى ابن الأبار ١/ ٢٠٢ ويقول القاضى عياض فى كتابه ترتيب المدارك (طبع الرباط ١/ ٢٢): «كان الحكم ممن طالع الكتب ونقّر عن أخبار الرجال تنقيرا لم يبلغ فيه شأوه كثير من أهل العلم».
(٢) البيان المغرب لابن عذارى ٢/ ٣٥٨.
(٣) ابن الأبار فى الحلة السيراء ١/ ٢٠١.
(٤) المعجب فى تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشى (طبع القاهرة) ص ٨٣ والحميدى ص ٧٢.
(٥) الصلة لابن بشكوال ١/ ٢٣٥ وإنباء الرواة للقفطى (طبع القاهرة) ٢/ ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>