للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقهاء فى هذه الدولة منذ ابن تاشفين وأجرى الرواتب على كثيرين منهم طوال أيام حكمه (١)، واحتذاه فى ذلك ابنه على خليفته فى الحكم. ولا تلبث دولة الموحدين أن تحل فى المغرب والأندلس محل دولة المرابطين، وتدين الأندلس لمؤسسها عبد المؤمن وكان فقيها عالما مشاركا فى كثير من العلوم الدينية والدنيوية (٢) وكان مؤثرا لأهل العلم ويجرى عليهم الرواتب الواسعة (٣) وخلفه ابنه يوسف (٥٥٨ - ٥٨٠ هـ‍.) وكان قد درس فى إشبيلية على فقهائها وعلمائها اللغويين، وقيل إنه كان حفظة حتى ليقولون إنه حفظ البخارى بأسانيده، وشغف بالفلسفة وأمر بجمع كتبها فاجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر (٤)، وولى بعده ابنه يعقوب وكان مثقفا مثله ثقافة واسعة وكان يعقد المناظرات بين يديه للعلماء والفلاسفة. (٥) وكل ذلك يشهد بأن الحركة العلمية والفلسفية ظلت مطردة النمو فى الأندلس طوال عصر دولتى المرابطين والموحدين.

وأخذت المدن الأندلسية الكبرى تسقط فى أيدى المسيحيين الشماليين منذ العقد الثالث فى القرن السابع الهجرى، واستطاع محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر أن يؤسس فى غرناطة سنة ٦٣٥ إمارة ظلت حتى سنة ٨٩٧ للهجرة وقد استطاعت بعلمائها وأدبائها ومن آوى إليها من أدباء المدن الأندلسية الساقطة فى حجر النصارى أن تستتم نهضة العلوم والآداب الأندلسية، وهاجر كثير من الأدباء والعلماء الأندلسيين إلى مراكش والمشرق ونشروا بهما آدابهم وعلومهم وذاع صيتهم. وكان لغرناطة والمدن التابعة لها مثل مالقة الحظ الأوفر فى الحركتين العلمية والأدبية ونرى أمراءها منذ الأمير محمد الفقيه (٦٧١ - ٧٠١) يرعون العلماء والشعراء، وعرف باسم الفقية لدراسته الفقة أيام أبيه وشغفه به، ويبدو أنه كان شغوفا بكل فروع العلم حتى علوم الأوائل، يدل على ذلك استقدامه من مرسية لمحمد بن إبراهيم الأوسى ومحمد بن أحمد الرقوطى كى يدرسا للطلاب فى غرناطة العلوم الطبية والفلسفية (٦) ولعل أكبر أمير من بنى الأحمر نشطت دراسة العلوم فى عهده هو أبو الحجاج يوسف الأول


(١) روض القرطاس لابن أبى زرع (طبع الرباط) ص ٣٨.
(٢) الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (طبع القاهرة) ١/ ١٥٨.
(٣) المعجب ص ٢٦٩.
(٤) المعجب ص ٣١٠.
(٥) انظر كتابنا الرد على النحاة (طبع دار المعارف) ص ١٥.
(٦) الإحاطة فى أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب (تحقيق عنان-طبع القاهرة) ٣/ ٦٧ - ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>