للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهما على المشارقة فقول يحتاج إلى نظر، ويكفى المشارقة أن يكون من بينهم ابن الرومى أكبر مبدع فى وصف الطبيعة والربيع. ويورد الحميرى فى كتابه مختاراته الشعرية والنثرية فى ثلاثة أبواب: باب جعله فى وصف الربيع ورياحينه وباب ثان فى وصف أزهاره، وباب ثالث فى وصف كل زهرة منفردة على حدة، ويشفع ذكره لبعض القطع بمثل قوله مقدما لها: «ومن غريب الرصف فى عجيب الوصف» وقوله: «ومن جيد التشبيه وحسن التمثيل» وقوله: «ومن السحر المنتحل والكلام المنتخل». وتلى مثل هذه التعبيرات المقطوعات الشعرية. والكتاب بذلك-مثل سابقه-كتاب مختارات من النثر والشعر الأندلسيين وليس كتاب بلاغة. وكأن الأندلس حتى عصر أمراء الطوائف لم تكن تعنى بالكتابة فى البلاغة، إنما كانت تعنى بعرض المختارات الشعرية، وقد أكبّت كما مر بنا على دواوين الجاهليين والإسلاميين والعباسيين وأخذت فى أواخر العصر تعنى بمختارات للأندلسيين أنفسهم، مكتفية بما نقل إليها من كتابات المشارقة فى البلاغة، وكان مما نقل إليهم كتاب العمدة فى صناعة الشعر ونقده لابن رشيق القيروانى سنة ٤٦٣ وفيه دراسة مفصلة عن فنون البديع ومحسناته وهى تضم عنده الصور البيانية من تشبيه واستعارة ومجاز وكناية، ويبدو أنهم عكفوا عليه بالدرس، يدل على ذلك من بعض الوجوه أن نجد محمد (١) بن عبد الملك الشنترينى المتوفى سنة ٥٤٥ للهجرة يصنع تلخيصا له مع بيان أغلاط فيه.

وربما كان أول كتاب للأندلسيين عنى بمباحث أساليب الكتابة البلاغية وفصّل القول فيها كتاب إحكام صنعة الكلام للكلاعى (٢) أبى القاسم محمد بن عبد الغفور المتوفى حوالى منتصف القرن السادس الهجرى، وقد جعل كتابه فى مقدمة تحدث فى فصولها عن صور من محاكاته لأبى العلاء ومضى يعلى النثر على الشعر ثم أفاض القول فى بابين: باب خصه بالكتابة وآدابها، وباب خصه بضروب الكلام قدم له بحديث مفصل عن الإيجاز والإطناب والمساواة، وهو باب كبير من أبواب علم المعانى، ومن الطريف أنه نفذ إلى مصطلح المساواة المتوسطة بين الإيجاز والإطناب على نحو ما شاع ذلك بعده عند المشارقة منذ بدر (٣) الدين بن مالك المتوفى سنة ٦٨٦ كما نفذ إلى تقسيم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف، ويبدو أنه رأى أن يعدل عن الحديث فى الصور البيانية والمحسنات البديعية لأنها


(١) راجع التكملة ص ١٩١ رقم ٦٦٠.
(٢) انظر فى الكلاعى المطمح ص ٢٩ وابن الأبار فى التكملة ص ١٨٧ والمغرب ١/ ٢٤٢ ومقدمة كتابه إحكام صنعة الكلام طبع بيروت بتحقيق محمد رضوان الداية.
(٣) انظر كتابنا البلاغة تطور وتاريخ ص ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>