للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتلت بحثا عند المشارقة وأيضا عند ابن رشيق، فأفرد فصولا لأنواع الأسلوب فى الكتابة وهى عنده سبعة: الأسلوب العاطل وهو الخالى من الأسجاع، والحالى وهو المحلى بالسجع والصور البيانية، والمصنوع وهو المسجوع الموشح بمحسنات البديع، والمرصع وهو ما حلّى بالأخبار والأمثال والأشعار والآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والمغصّن وهو ما تتضمن فيه السجعتان المتقابلتان سجعات داخلية تتقابل فى كل سجعة طويلة مع قرينتها فى السجعة الطويلة التالية، وكأنما أصبح للسجعتين الأساسيتين فى الأسلوب أغصان وفروع مثل: «ومن السلام سلام وإن لاح جوهرا، ومن الكلام كلام وان فاح عنبرا» والمفصّل وهو ما تعقب فيه الأبيات الشعرية الجمل النثرية على شاكلة كتاب ملقى السبيل لأبى العلاء ولبديع الزمان الهمذانى رسالة مشهورة من هذا النوع، والأسلوب السابع المبتدع وهو ما تقرأ فيه سطور الكلمات والكلمات نفسها من جهتين أو أكثر، وهى صورة من التعقيد ليس فيها فن ولا جمال. وبعد فراغه من كل ذلك يتحدث عن فنون الكتابة من التوقيعات والخطب والحكم والأمثال والمقامات والحكايات والتوثيقات والمؤلفات، وهى أول مرة يتحدث فيها ناقد بإفاضة عن فنون النثر المختلفة.

وكان يعاصره المواعينى محمد (١) بن إبراهيم بن خيرة المتوفى سنة ٥٦٤ وله كتاب ريحان الألباب وريعان الشباب، جمع فيه ما يحتاج إليه الشاعر والكاتب من فنون وجعلها فى سبعة مراتب وتهمنا فى حديثنا عن مباحث البلاغة بالأندلس المرتبة الرابعة من هذه المراتب إذ جعلها للفصاحة والبلاغة وإنشاء الصناعة، وفيها أسهب فى بيان شروط الفصاحة مستمدا من كتابات المشارقة فيها وخاصة ابن سنان الخفاجى فى كتابه «سر الفصاحة» واستمد منه ومن الجاحظ فى حديثه عن عيوب الكلام من المعاظلة وغيرها، ويتحدث عن أنواع البديع متأثرا فيها بقدامة فى كتابه نقد الشعر والحاتمى فى كتابيه:

حلية المحاضرة وسر الصناعة.

ونمضى فى النصف الثانى من القرن السادس الهجرى فنرى البلاغة تلتحم فى الأندلس بالفلسفة عند ابن رشد إذ يتصدّى لكتابى الخطابة والشعر لأرسطو، فيلخصهما ويشرحهما بفكره العبقرى الناصع، وكان ابن سينا قد وضع لكتاب الخطابة تلخيصا، وتحول ابن رشد بهذا التلخيص إلى شرح موسع للكتاب ونصوصه موردا لكل مبدأ بلاغى فيه أمثلة من الشعر العربى على نحو ما يتضح فى قسمه الثالث الخاص بالعبارة


(١) راجع فى المواعينى ابن الأبار فى التكملة رقم ٧٦٣ ص ٢٣٣ والمغرب ١/ ٢٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>