للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو فيه يفصل الحديث فى أبواب علم البيان المعروفة: التشبيه والاستعارة والكناية، أما التشبيه (١) فيتحدث فيه عن أدواته وأن لكل أمة تشبيهاتها المستمدة من بيئتها، ويحذّر من التشبيهات النابية ملاحظا أن التشبيه ينبغى أن ينعقد بين أشياء متجانسة، ويلم بالتشبيهات التمثيلية المركبة، ويتحدث عن الاستعارة ويلاحظ-متأثرا بأرسطو-أن الاستعارة المكنية لا تقوم-مثل التصريحية-على التشبيه، ويعرض صورا مختلفة من الكناية. ويلاحظ أن الصور البيانية تتفاوت حسنا وقبحا كقول القائل فى وصف امرأة مخضوبة اليد بالحناء إنها وردية اليد وقول آخر إنها دموية اليد، فشتان-فى رأيه-بين الوصفين، ويلاحظ أيضا تفاوت البيان فى التعبيرات الحقيقية، وأن صور البيان البارعة تعرض مشاهد تامة، بل حية نابضة. وكل ذلك لم يفد منه البلاغيون بعد ابن رشد، ويتحدث عن الايجاز والإطناب والطباق والمقابلة وعن المبالغة ويقول إنها تقبل فى الشعر ولا تقبل فى النثر خطابة ورسائل، ومثلها الألفاظ الغريبة. وكان ابن سينا قد صنع قبل ابن رشد تلخيصا لكتاب الشعر، فعمد ابن رشد إلى إعادة تلخيصه وشرحه، بحيث أصبح عمله فى هذا الكتاب أشبه بتعريب له، ووقف فيه عند التشبيه وأنه قد يكون تشبيه محسوس بمحسوس أو تشبيه معنوى بمحسوس ملاحظا أنه ينبغى أن لا يكون بالأشياء الخسيسة، ويعرض أمثلة للاستعارة المكنية عند أبى تمام، ويهاجمها متأثرا بالآمدى فى كتابه الموازنة بين الطائيين أبى تمام والبحترى. ويعود إلى فكرة الصورة أو الصور المتكاملة فى بيتين أو ثلاث مما يصور مشاهد حية حافلة بالحركة والحياة، وعرض للكناية وللجناس التام والناقص وللطباق ولمراعاة النظير، وهاجم المبالغة فى الشعر التى تخرج إلى حد الاستحالة، بخلاف المبالغة المحمودة التى تعتمد على أصل من الواقع والحقيقة. ولم ينتفع البلاغيون بعده بملاحظاته الدقيقة.

ويجئ بعد ابن رشد بنحو قرن أبو البقاء (٢) صالح بن شريف الرندى المتوفى سنة ٦٨٤ للهجرة، وله كتاب مخطوط فى المكتبة التيمورية، يسمى: «الوافى فى نظم القوافى» وهو فى أربعة أجزاء أولها فى فضل الشعر، والشعراء وطبقاتهم، وعمل الشعر وأغراضه


(١) انظر فى آراء ابن رشد البلاغية مقالنا: البلاغة عند ابن رشد فى الجزء الثانى والأربعين من مجلة مجمع اللغة العربية ص ١٥. وراجع فى الحركة النقدية وأعلامها التالين بالأندلس كتاب تاريخ النقد الأدبى عند العرب للدكتور إحسان عباس ص ٤٧٠ وما بعدها.
(٢) انظر فى مصادر أبى البقاء الرندى ترجمته فى الفصل الرابع ص ٣٨٨ وانظر تحليل كتابه: الوافى فى كتاب تاريخ النقد الأدبى فى الأندلس للدكتور محمد رضوان الداية (طبع بيروت) ص ٤٣٣ وما بعدها وقد لا حظ تأثره الشديد بابن رشيق فى كتابه العمدة وراجع د. إحسان عباس ص ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>