وآدابه، وهو يتأثر فيه بابن رشيق فى كتابه العمدة، والجزء الثانى فى محاسن الشعر وبديعه ومعانيه، والثالث فى سرقات الشعراء، والرابع فى حد الشعر والعروض. والجزء الثانى فى الكتاب يلتقى فى وضوح بمباحث البلاغة المعروفة عند المشارقة، إذ يتناول فيه الصور البيانية من تشبيه واستعارة وغيرهما، كما يتناول المحسنات البديعية، وقد أضاف اليها نحو ثلاثين محسنا. ومن أهم ما تحدث عنه من المحسنات الطباق والمقابلة والتجنيس والتصدير والتضمين والتتميم والتسهيم والترصيع والمبالغة، وفى كل ذلك يتأثر بابن رشيق وكتابه العمدة. وقلما نلتقى بعد الرندى فى الأندلس بكتب مستقلة فى علوم البلاغة، وكأنها ارتضت أن تعيش فيها على ما يكتبه المشارقة.
وأخذت الكتابات النقدية تنشط فى الأندلس منذ القرن الخامس الهجرى على نحو ما يتضح فى رسالة التوابع والزوابع لابن شهيد المتوفى بقرطبة سنة ٤٢٦ للهجرة وسنفصل القول فى هذه الرسالة (١) فى الفصل الأخير وبها كثير من الآراء النقدية، ونحن نسوقها مرتبة بترتيب ابن بسام لها، فمن ذلك ذهابه إلى أن اللغويين والنحاة القائمين على تعليم الناشئة البيان لا يصلحون للقيام على هذا التعليم ويهاجم فى رسالته شيخهم ابن الإفليلى، لأنهم يفقدون فى رأيه الملكة الأدبية أو كما يقول الطبع والذوق الأدبى، وينوه بروعة الكلام وجمال نسقه قائلا:«إن للحروف أنسابا وقرابات تبدو فى الكلمات فإذا جاور النسيب النسيب ومازج القريب القريب طابت الألفة وحسنت الصحبة».
ويلاحظ على أبى تمام كثرة الجناسات ويرى من الخير للشاعر أن لا يغرق فيها، بل ينحو منحى الاعتدال، ويشيد بالطبع وحسن البديهة والجمع بين المعانى الخفية الدقيقة والأساليب الناصعة البيّنة. ويعرض لسرقات الشعراء للمعانى بعضهم من بعض، وينصح الشاعر إذا أخذ معنى سبقه إليه غيره أن يحسن صياغته، ونحس دائما عنده رهافة الذوق الأدبى ودقة الإحساس بالجمال الفنى. ويعرض ابن حزم بعده لمراتب البلاغة، وينوه بالبلاغة المكونة من الألفاظ المألوفة عند عامة المثقفين كبلاغة الجاحظ كما ينوه بالبراعة فى الشعر ويقصد بها إيراد المعانى الدقيقة البعيدة ويقول إن الشعر مبنى على الإغراق والمبالغة.
ونمضى إلى القرن السادس الهجرى ونلتقى بابن خفاجة ومقدمته لديوانه، وفيها ينوّه
(١) انظر فى الرسالة وآراء ابن شهيد ترجمته فى الذخيرة لابن بسام (تحقيق د. إحسان عباس) ١/ ١٩١ وراجع كتابه تاريخ النقد الأدبى عند العرب ص ٤٧٥.