للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتخييل فى الشعر ويعيب على نقاد عصره تمسكهم بالجزالة حتى فى الغزل مع أن الرقة مستحسنة فيه على نحو ما يلاحظ فى شعر عبد المحسن الصورى والشريف الرضى ومهيار. وكان يعاصره الأشتركونى الذى مر ذكره بين اللغويين وله مقامات سنعرض لها فى غير هذا الموضع ونراه فى مقامتين من مقاماته يصدر أحكاما سريعة على أعلام الشعر المشرقى حتى زمن مهيار، وهى أحكام منثورة فى كتب النقد عند المشارقة وليس فيها نظرات جديدة. ويلقانا ابن بسام بكتابه الضخم: «الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة» من الشعراء والكتاب، وصفحات مجلداته الثمانية تكتظ تراجم الشعراء فيها ببيان كثرة ما أخذوا من المعانى المبثوثة فى أشعار المشارقة، وبذلك يفتح دراسة واسعة لتحويرات شعراء الأندلس لمعانى الشعر المشرقى وصوره وأخيلته، ونراه يحمل (١) على من يضمن شعره بعض ألفاظ فلسفية مثل المتنبى أو بعض معان إلحادية مما نسب إلى أبى العلاء، كما يحمل على الاستعارات البعيدة مما يؤكد نزعته المحافظة. ويلقانا عند الكلاعى الذى تحدثنا عنه بين البلاغيين كتاب له باسم الانتصار لأبى الطيب غير أنه مفقود. ويخرج المواعينى فى كتابه ريحان الألباب شعر المواعظ والحكم من الشعر بمعناه الدقيق.

وكل ما قدمنا من نشاط نقدى كان يرتكز على نقد المشارقة، وقلما التحم منه شئ بالنقد المشوب بالفلسفة اليونانية وما نقل عن اليونان فى كتابى الشعر والخطابة لأرسطو، وكأنما احتفظ النقد الأندلسى بذلك لناقد متأخر هو حازم (٢) القرطاجنى المتوفى بتونس سنة ٦٨٤ وسنترجم له بين أصحاب الشعر التعليمى وهو فى النقد الأندلسى يقابل ابن رشد فى البلاغة الأندلسية الذى سبقه بنحو قرن، وقد ولد حازم-ونشأ-بقرطاجنة شرقى الأندلس، وهاجر منها-حين سقطت فى حجر الروم-إلى المغرب وعاش فى ظل الدولة الحفصية. وله فى النقد كتاب يسمى «منهاج البلغاء وسراج الأدباء»، سقط منه قسمه الأول وكان يتناول-كما ذكر محققة-القول وأجزاءه والأداء وطرقه وأثر الكلام فى السامعين، وسلمت منه ثلاثة أقسام تتناول صناعة الشعر وطريقة نظمه وتتعمق فى بحث المعانى والمبانى والأسلوب، وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة موزع على أربعة أبواب، ويسمى حازم كلا منها باسم منهج وكل باب أو منهج يتألف من فصول اختار لكل منها


(١) الذخيرة ٢/ ٤٧٩ وما بعدها تحقيق د. إحسان عباس ص ٥٠٣ وما بعدها.
(٢) انظر فى كتابه منهاج البلغاء ومصادره وآرائه النقدية مقدمة محققه الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، وانظر تاريخ النقد الأدبى عند العرب للدكتور إحسان ص ٥٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>