للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومؤلفاتهم النفيسة. على أنه ينبغى أن أشير إلى أن النظام القضائى بالأندلس رافقته ثلاث ظواهر لا يعرفها نظيره فى المشرق، أولاها أنه كان هناك-منذ أول الأمر-هيئة استشارية (١) من الفقهاء يرجع إليها القضاة للتشاور وإبداء الحكم السديد فى القضايا المشكلة، وهى تشبه ما نعرف فى قضائنا المعاصر من قيام هيئة استشارية بجانب محاكم مجلس الدولة للرجوع إليها فى القضايا الملتبسة ودراستها وإبداء الحكم فيها وقد نقلنا ذلك عن القضاء الفرنسى. والظاهرة الثانية ظاهرة هيئة المحامين من الفقهاء عن أصحاب الدعاوى والمتهمين على نحو ما نعرف فى قضائنا اليوم، وكان من يوكل عنه محاميا يثبت ذلك فى عقد بينه وبين المحامى (٢) وكان للمحامى الحق فى أن ينيب من يترافع عنه فى القضية أمام القاضى، ويثبت ذلك أيضا فى عقد بينهما (٣). والظاهرة الثالثة وضع كتب باسم الوثائق يضعها كبار الفقهاء تبيّن للناس كيفية العقود وصيغها القانونية، وهى كتب بالغة الأهمية فى بيان الأحوال الاجتماعية فى الأندلس إذ تعرض علينا عقود المعاملات فى المزارعات وغيرها من الاستئجارات، ومن الطريف أن نعرف أنه كانت هناك محلات لاستئجار الخيل والسلاح للحرب واستئجار الثياب والحلى والكتب (٤)، وكان لا بد لإسلام نصرانى أو يهودى من وثيقة يقدمها للقاضى وعليها شهادة شهود بأنه أسلم غير مكره ولا فارّ من شئ ولا متوقع لأمر، وأنه اختار الإسلام بعد أن وقف على شريعته وعلم أنه ناسخ لجميع الأديان وأنه الدين الذى لا يقبل الله سواه، وأنه أسلم على يد فلان القاضى أو صاحب الشرطة أو المدينة أو السوق (٥).

ولم تعرف الأندلس الخلافات الكلامية الكثيرة التى عرفها المشرق، ولذلك لم تنشأ فيها فرق المرجئة والجبرية والقدرية أو المعتزلة أو بعبارة أدق لم تجد لها أنصارا فيها إلا ما كان من الاعتزال بسبب قراءة بعض الراحلين إلى المشرق لكتابات الجاحظ المعتزلى ونقلهم لها إلى الأندلس، فأخذ الناس يقرءون كتاباته وأخذوا يحاولون التعرف على الاعتزال منذ القرن الثالث الهجرى ومن المعتزلة القدامى حينذاك عبد الأعلى بن وهب


(١) يتردد أسماء أعضاء هذه الهيئة فى مقتبس ابن حيان لعهد بنى أمية ويسميهم المشاورين.
(٢) انظر فى ذلك كتاب الوثائق والسجلات لابن العطار الأندلسى المتوفى سنة ٣٩٩ (طبع مدريد) ص ٤٩٨. وراجع ترجمة ابن العطار فى الديباج المذهب ٢/ ٢٣١.
(٣) ابن العطار ص ٥٠٠.
(٤) راجع ابن العطار ص ١٩٤، ١٩٧، ٢٠٦.
(٥) ابن العطار ص ٤٠٥، ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>