للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه من الأندلس وغيرها الأشكركى يوسف بن محمد وابن القزاز محمد بن عبادة الإلبيرى الذى كان يفد على المعتمد بإشبيلية وابن الحداد محمد بن أحمد الوادى آشى والأسعد بن بلّيطة الطّليطلى وابن شرف القيروانى. وتكتظ الذخيرة وكتاب المغرب بشعراء إمارات الطوائف المختلفة.

وكان تعدد هذه الإمارات سببا فى أن تتعدد بالأندلس المراكز التى تغدق على الشعراء فيها الأموال والعطايا الجزيلة، مما لم يكن مألوفا زمن الدولة الأموية، إذ كانت قرطبة وحدها هى التى تنثر الدنانير، أما فى هذا العصر فقد أخذت منها هذه المكانة-أو قل بزّتها فيها-مدن كثيرة من مثل إشبيلية والمريّة ومرسية ودانية وبطليوس وطليطلة وسرقسطة وغرناطة، ودفع ذلك إلى ظاهرة مستجدة فى هذا العصر هى ظاهرة الشعراء الجوّالين الذين يرحلون من إمارة إلى إمارة أو من أمير إلى أمير فى طلب النوال والمال مثل أسعد بن بلّيطة الطليطلى وابن القزاز محمد بن عبادة وأبى عامر بن الأصيلى وكان جواب آفاق وعبد الرحمن بن مقانا الأشبونى المبدع، ورأى أن يرجع أخيرا إلى موطنه «القبذاق» ويشتغل فيها بالزراعة بعد أن كلّت قدماه وأضناه التطواف على الإمارات والأمراء (١). وأخذت تشيع حينئذ ظاهرة غريبة هى ظاهرة المداحين المتسوّلين من أهل الكدية الذين يسميهم ابن بسام فى الذخيرة باسم القوّالين، وهم لا ينظمون شعرا ولا مديحا، وإنما ينشدون غرر القصائد على الأبواب وفى الأسواق يستجدون بها الناس بما يسمعونهم من شعر رائع يمتعونهم به، ويذكر ابن بسام من ذلك الشعر قصيدة ابن مقانا:

ألبرق لائح من أندرين ... ذرفت عيناك بالدمع المعين (٢)

ويقول إن طائفة القوالين فى الأندلس كانوا يتداولون أكثر أبياتها لما تشتمل عليه من عذوبة فى اللفظ وسلاسة (٣).

وينتهى عصر الطوائف وأمرائه، وتدخل الأندلس فى عصر المرابطين (٤٨٤ - ٥٤١ هـ‍) وكانوا مشغولين بحرب النصارى فى الشمال، ولم يكن لهم اهتمام بالشعر والأدب، غير أنهم لم يلبثوا-وخاصة ولاتهم فى الأندلس-أن أشربوا روح الأندلس وثقافتها وعنايتها بالشعر، وطبيعى أن ظلّ يعيش فى عصر المرابطين شعراء كثيرون ممن نشأوا فى عصر أمراء الطوائف، ومن الشعراء فى هذا العصر عبد الله بن سارة وابن أبى


(١) الذخيرة ٢/ ٧٨٧.
(٢) أندرين: قرية بالشام.
(٣) الذخيرة ٢/ ٧٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>