إلى دار غناء ضخمة، وكانت مجالس المعتضد وابنه المعتمد ندوات كبيرة لالتقاء الشعراء وإنشادهم مدائحهم فى الأميرين، وكانا شاعرين، وخاصة المعتمد إذ كان شاعرا كبيرا وله ديوان شعر منشور. ويترجم ابن بسام فى الذخيرة وابن سعيد فى المغرب لشعراء إشبيلية والوافدين عليها فى عهد المعتضد والمعتمد، وهم يعدون بالعشرات، نذكر منهم لعهد المعتضد أبا عامر بن مسلمة صاحب كتاب الارتياح فى وصف حقيقة الراح ألفه للمعتضد وإسماعيل بن عامر الحميرى الملقب بحبيب صاحب كتاب البديع فى وصف الربيع وأبا جعفر أحمد بن الأبار وأبا حفص عمر بن الحسن الهوزنى وعلى بن غالب بن حصن ومحمد بن ديسم وأحمد بن محمد الإشبيلى وإبراهيم بن خيرة بن الصباغ وعبد الله بن حجاج وأبا القاسم محمد بن عبد الغفور وابن زيدون القرطبى الذى اتخذه وزيرا ومدبّرا لشئون دولته منذ نزوله بإشبيلية سنة ٤٤١. وكان ابنه المعتمد راعيا كبيرا للشعر والشعراء، ومن شعرائه أبو الوليد محمد بن عبد العزيز المعلم وزيره وكاتبه وأبو القاسم بن الجد وأبو القاسم بن مرزقان وابن المرعزّى النصرانى الإشبيلى. وكاد أن لا ينجم فى بلد من بلدان الأندلس شاعر كبير إلا ويفد عليه ويقدم مدائحه إليه من مثل ابن عمار الشلبى الذى وفد على أبيه، وانعقدت بينه وبين المعتمد صحبة حتى إذا أفضت الإمارة إليه جاءه فتلقاه بأعظم قبول، وظلت الصلة بينهما وطيدة إلى أن أفسدها ابن عمار. ومن كبار شعراء الأندلس الوافدين عليه من البشرات فى إلبيرة ابن القزاز محمد بن عبادة، ومن المريّة يوسف بن عبد الصمد، ومن مرسية عبد الجليل بن وهبون الذى تغنى طويلا بانتصاره مع يوسف بن تاشفين فى موقعة الزلاقة، ومن دانية ابن اللبانة الذى تفجع على دولته تفجعا مريرا حين نفاه ابن تاشفين إلى أغمات بمراكش. وممن وفد عليه أيضا ومدحه ابن حمديس شاعر صقلية المشهور.
ولعل فى هذا العرض السريع للشعراء المستوطنين والوافدين على إمارة إشبيلية ما يصور-من بعض الوجوه-كثرة الشعراء فى عهد أمراء الطوائف وحقا لم تبلغ إمارة من إماراتهم ما بلغته إشبيلية من رعاية الشعراء حينئذ، غير أنه لم تكد تخلو إمارة من شعراء يحفّون بها وبأمرائها، ولنأخذ مثلا المريّة، فقد كان من أمرائها راع كبير للشعر هو المعتصم بن صمادح الذى ظل على إمارتها نحو أربعين سنة وكان شاعرا، وكذلك كان أبناؤه أبو يحيى وأبو جعفر أحمد وأبو محمد عبد الله وأختهم أم الكرم وكانت تنظم الشعر والموشحات، ومن مداحه يوسف بن عبد الصمد الوافد على المعتمد فى إشبيلية، وأبو حفص بن الشهيد، وابن الطراوة سليمان بن محمد، ومن كبار الشعراء الوافدين