للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شجعان قبيلته وأشرافهم (١)، ومن ثم كان له دور بارز فى حرب داحس والعبراء

أما أمه فكانت من نهد من قضاعة، وهى عشيرة وضيعة لم تعرف بشرف ولا خطر، فآذى ذلك نفسه، إذ أحسّ فى أعماقه من قبلها بعار لا يمحى، يقول (٢)

وما بى من عار إخال علمته ... سوى أن أخوالى-إذا نسبوا-نهد

فهى عاره، الذى حلّت البلية عليه منه، والذى دفعه دفعا إلى الثورة على الأغنياء، وهى ثورة كانت مهذبة، إذ لم يتحول إلى سافك دماء ولا إلى متشرد يرود مجاهل الصحراء، فقبيلته لم تخلعه، بل ظل ينزل فيها مرموق الجانب لسيرة كانت تروع معاصريه ومن جاءوا بعدهم، إذ اتخذ من صعلكته بابا من أبواب المروءة والتعاون الاجتماعى بينه وبين فقراء قبيلته وضعفائها، ومن أجل ذلك لقّب عروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا فى غزواتهم وضاقت بهم الدنيا. وفى الأغانى «كان عروة بن الورد، إذا أصابت الناس سنة (أزمة جدب) شديدة وتركوا فى دارهم المريض والكبير والضعيف، يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته فى الشدة، ثم يحفر لهم الأسراب، ويكنف عليهم الكنف (الحظائر) ويكسبهم. ومن قوى منهم-إما مريض يبرأ من مرضه أو ضعيف تثوب قوته- خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين فى ذلك نصيبا. حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السنة ألحق كلّ إنسان بأهله، وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سمى عروة الصعاليك (٣)». وفى خبر آخر أن عبسا كانت إذا أجدبت أتى ناس منها ممن أصابهم جوع شديد وبؤس فجلسوا أمام بيت عروة، حتى إذا أبصروا به صرخوا، وقالوا أيا أبا الصعاليك أغثنا، فكان يرق لهم ويخرج بهم فيصيب معاشهم (٤).

وعروة بذلك كله يعبر عن نفس كبيرة، فهو لا يغزو للغزو والنهب وكالشّنفرى وتأبط شرا، وإنما يغزو ليعين الهلاّك والفقراء والمرضى والمستضعفين من قبيلته، والطريف أنه لم يكن يغير على كريم يبذل ماله للناس، بل كان يتخير


(١) أغانى ٣/ ٨٨.
(٢) ديوانه ص ١٥٧
(٣) أغانى ٣/ ٧٨ وما بعدها والشعر والشعراء ٢/ ٦٥٧.
(٤) أغانى ٣/ ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>