للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورداء الأصيل ... تطويه كفّ الظلام

قال لمن حوله: أين كنا نحن عن هذا الرداء (١)؟ وهى صورة رائعة، ودخل عليه أبو الحسن سهل بن مالك، ولم يكن يعرفه، حتى إذا أنشده موشحة من مجزوء البسيط يقول فيها:

كحل الدّجى يجرى من مقلة الفجر ... على الصّباح

ومعصم النّهر فى حلل خضر من البطاح

طرب لهذا القفل منها طربا شديدا (٢) لعذوبة ألفاظه وحسن صوره. ومن كبار الوشاحين حينئذ على بن حزمون الهجّاء، وله موشحة (٣) بديعة يرثى بها أبا الحملات قائد الأعنة ببلنسية، وقد استشهد فى الدفاع عنها فى إحدى معاركه المحتدمة مع النصارى وسننشد منها قطعة فى الحديث عن شعراء الرثاء. وكان يعاصر ابن حزمون على بن الفضل الإشبيلى المتوفى سنة ٦٢٧، وله فى إحدى موشحاته (٤):

وأفردت بالرّغم لا بالرّضا ... وبتّ على جمرات الغضا

أعانق بالفكر تلك الطّلول ... وألثم بالوهم تلك الرسوم

وأغصان الموشحة وأقفالها من بحر المتقارب، وزنته: فعولن أربع مرات. وتفضى الأندلس بعد الموحدين إلى التفكك وسقوط مدنها الكبرى فى حجر النصارى، وقلما يظهر وشاح مبدع إلا من نشأوا فى عصرهم من تلاميذ من سميناهم فيه من مثل إبراهيم بن سهل الإسرائيلى، وأشهر موشحاته (٥):

هل درى ظبى الحمى أن قد حمى ... قلب صبّ حلّه عن مكنس

فهو فى حرّ وخفق مثلما ... لعبت ريح الصّبا بالقبس

وقد صاغه أقفالا وأغصانا من بحر الرمل وزنته: فاعلاتن فاعلاتن فاعلن. ويقبل المتصوفة على صنع الموشحات ويهاجر كثيرون بها إلى المشرق مثل ابن عربى والششترى. ونلتقى فى غرناطة بابن زمرك ولسان الدين بن الخطيب، وله موشحة


(١) المقتطف ص ٢٦٠.
(٢) المقتطف ص ٢٥٨ وما بعدها.
(٣) المغرب ٢/ ٢١٧.
(٤) المغرب ٢/ ٢٨٩ والغضا: من أشجار نجد. يستوقد بخشبه.
(٥) ديوان ابن سهل الإشبيلى (طبع بيروت) ص ٢٨٣ ومكنس الظبى: مأواه فى الشجر ليستتر به. القبس: شعلة النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>