للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحالية عاصمة المملكة المغربية، وكانوا بحارا فياضة فى الجود فغمروه بجودهم وخاصة يحيى بن على بن القاسم وأخاه أحمد قاضى سلا، فمكث فى رحابهما طويلا، وأضفى عليهما من شعره وموشحاته دررا كثيرة، وأول ما نقف عنده من موشحاته فيهم الموشحة التى مدح بها القاضى أحمد، والتى قال فى خرجتها أو خاتمتها أبو بكر بن زهر: ما حسدت وشاحا على قول إلا ابن بقى حين وقع له:

أما ترى أحمد فى مجده العالى لا يلحق ... أطلعه المغرب فأرنا مثله يا مشرق

وهو لم يحسده فى رأينا على جمال صياغته فحسب، بل حسده أيضا على روعة تصويره فى الفقرة الثانية إذ جعل القاضى أحمد كوكبا يبزغ فى المغرب ولا مثيل له فى المشرق.

ويتضح إبداعه فى تصويره إذ يقول فى أحد أغصان هذا الموشح متغزلا بصاحبته:

عطا بليتيه ومرّ كالظّبى لبيده (١) ...

فدلّ عليه تكسّر الحلى بجيده ... تفتير عينيه يسرع فى برى عميده

وهو يجعلها كأنها ظبية حقيقية تمد عنقها لتناول الأوراق فى الشجر مصورا بذلك جمال جيدها، ويقول إنه إنما رآها لمحا أو كاللمح إذ مرّت سريعا إلى منزلها، ويصوره كأنه بيداء فلن يعود يراها. ويعود إلى نفسه فليست من الظباء بل هى من النساء إذ سمع صوت الحلى بجيدها. ويقول إن تفتير عينيها الجميلتين يسرع فى ضنا محبوبها، ولا يزال يأمل من البيد والفلوات ردّها. والموشحة من مجزوء البسيط. وواضح أن نسبتها إلى ابن بقى لا يشوبها شك فقد نسبها إليه أبو بكر بن زهر وكذلك ابن سعيد فى كتابه «رايات المبرزين» والمقرى فى أزهار الرياض ومع ذلك نجدها فى ديوان التطيلى خطأ (٢) كما نجد أختا لها فى ديوانه أيضا وهى فى مديح يحيى بن القاسم ممدوح ابن بقى الذى تفيّأ ظلاله،


(١) الليث: صفحة الجيد وجعلها تعطو بهما وتمدهما، كناية عن طولها.
(٢) انظر ديوان التطيلى ص ٢٧٠ وقارن برايات المبرزين ص ٧٩ وأزهار الرياض ٢/ ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>