للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والموشحة من وزن الرمل، وهى تسيل خفة ورقة وعذوبة ورشاقة فى نسق من بديع الألفاظ المختارة، وكأنها لا تتلاقى فحسب، بل تتعانق آخذا بعضها بتلابيب بعض. وله من موشحة هذا الغصن وقفله:

هل تستعاد أيامنا بالخليج أو ليالينا ... إذ يستفاد من النسيم الأريج مسك دارينا (١)

وإذ يكاد حسن المكان البهيج أن يحيّينا ... نهر أظلّه دوح عليه أنيق مورق فينان (٢)

والماء يجرى وعائم وغريق من جنا الرّيحان

والغصن والقفل جميعا يزخران بشجىّ يثير فى القلب حنينا بل جذوة متقدة من الحنين لأيام سعيدة هنيئة مرت وكأنها حلم من الأحلام لن يعود. لن تعود تلك الأيام والليالى ولا ما كان فى حدائقها البهيجة من النسيم العطر حتى لكأنما كل شئ فيها كان يلقاهم بالتحيات والبسمات، وماء نهر إشبيلية يجرى من تحتهم وفروع الأشجار وأغصانها المورقة تظلله، والرياحين والزهر بين سابح وغريق. كل ذلك سقط من يد ابن زهر وهو مولّه مشوق أعظم شوق، حتى لكأنما انتزع منه انتزاعا. وزنة الجزء الأول فى القفل والغصن مستفعلاتن، وزنة الجزء الثانى مستفعلن فاعلان، وزنة الجزء الثالث فى القفل فاعلان وفى الغصن فعلن، وبذلك يردّ وزن الموشحة إما إلى البسيط وإما إلى السريع مع زيادة سبب إلى التفعيلة الأولى دائما وكذلك إلى التفعيلة الأخيرة، وهذه التغيرات فى تفاعيل هذه الموشحة وما ماثلها مما أشرنا إليه هو ما جعل ابن بسام يقول إن الموشحات تجرى أحيانا على أعاريض مهملة أى من أعاريض الشعر العربى كما أسلفنا مرارا لا من أعاريض الشعر الأعجمى الوهمية، كما ظن «ريبيرا» وتلاميذه. ولابن زهر موشحة صاغها على طريقة ابن نزار هكذا:

قلبى من الحبّ غير صاح صاح ... وإن لحانى على الملاح لاح

وإن درى قصّتى وشانى شانى

والجزء الأول فى الغصن والقفل من مخلع البسيط، والجزء الثانى على زنة فعلن تفعيلة


(١) دارين: قرية كانت على الخليج العربى ينسب إليها المسك والطيب.
(٢) فينان: كثير الفروع والأغصان.

<<  <  ج: ص:  >  >>