المتدارك وصاح الأولى: مستيقظ، والثانية: ترخيم صاحب، واللاحى: العاذل اللائم، وشانى الأولى: مخففة من شأنى والثانية: المبغض. واستمر ابن زهر فى هذه الموشحة يستخرج الجزء الثانى من الجزء السابق له أو يكرره بمعنى جديد، مما يفجأ به قارئه ويدخل عليه غير قليل من المتاع الشعرى. وكان كثيرا ما يفجأ قارئه بصور طريفة كفوله فى الموشحة التى أنشدها له ياقوت فى معجم الأدباء:
طرقت والليل ممدود الجناح ... مرحبا بالشمس من غير صباح
فجناح الليل ممدود على الكون من حوله، وزارته صاحبته فأضاءت فى هذا الليل كأنها شمس تطلع دون صباح مما يلقى فى نفسه غير قليل من العجب، والموشحة جميعها أقفالا وغصونا من وزن الرمل، وأنشد له ابن دحية فى المطرب موشحة من وزن المتقارب افتتحها على هذه الصورة:
سدلن ظلام الشعور ... على أوجه كالبدور
سفرن فلاح الصّباح ... ضحكن ابتسام الأقاح
كأن الذى فى النّحور ... تخيّرن منه الثّغور
والصور طريفة إذ يجمع فى غزله والإعجاب بجمال صواحبه ظلام الشعور وبدور أو أقمار الوجوه ويضيف أنهن سفرن ونحين النقاب عن وجوههن فأضاء الصباح، وضحكن وابتسمت ثغورهن ابتسام زهر الأقاح الذى طالما شبه به الشعراء الثغور لنصاعة بياضه. ويفجؤنا ابن زهر بما ملأ نفسه حيرة، إذ يتنقل بصره بين ثغورهن وعقود اللآلئ التى تزدان بها نحورهن فيخال كأنهن تخيّرن ثغورهن من تلك اللآلئ البهيجة.
وواضح من كل ما قدمت أن موشحات ابن زهر وابن بقى وابن عبادة القزاز وغيرهم من الوشاحين الأندلسيين تموج بالنغم، وحقا خالفوا بين قوافى الأقفال وقوافى الأغصان، ولكن الأقفال تتحد قوافيها فى كل موشحة كما تتحد قوافى الأجزاء فى كل غصن. فالقافية لم تهمل فى الموشحة إنما تنوعت فى الأغصان، وظلت موحدة فى أجزاء الأقفال، وكان حريا أن يسقط بذلك شئ من وفرة الأنغام المعروفة فى القصيدة العربية غير أنهم تلافوا ذلك باختيارهم لموشحاتهم أرشق الألفاظ العربية وأكثرها عذوبة وسلاسة وصفاء، وليس ذلك فحسب، فقد قصّروا الشطور فى أجزاء الأقفال والأغصان، حتى أصبحت أنغام أى موشحة لا تقل عن أنغام القصائد وفرة، بل إنها لتتفوق عليها فى