للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموشحة الفصيحة والزجل السوقى الدارج (١)، ويبسط غرسية غوميس فكرته قائلا إنه «قدّم براهين جلية على وجود لغة رومانثية كان يتكلمها أهل الأندلس وهى اللغة التى كتب بها ابن قزمان شاعر القرن الثانى عشر الميلادى أزجاله. . وكانت اللغة الدارجة الجارية على الألسن فى قرطبة» (٢). والشعبتان جميعا كما يراهما ريبيرا تحتاجان إلى مراجعة، إذ ينقصهما البرهان اليقينى، أما أنه كانت تشيع فى الأندلس لغة دارجة رومانثية كتبت بها الأزجال فإن الأزجال نفسها تنقضها لأنها كانت مكتوبة بلغة عامية عربية لا رومانثية بدليل أن أبواب البلدان العربية جميعا فتحت لها وتناشدها الناس فيها، وأكبّوا على روايتها ودراستها، حتى ليقول ابن سعيد إنه رأى أزجال ابن قزمان إمام الزجل الأندلسى مدونة ببغداد أكثر مما رآها مدونة بحواضر المغرب (٣). ومن الطريف أن نعرف أن الأندلسيين لم يكتبوا فيها بحثا ولا دراسة، وأن أول من بحثها ودرسها وحاول أن يعرض شيئا من تاريخها وخصائصها العروضية واللغوية بغدادى هو صفى الدين الحلى المتوفى سنة ٧٥٠ فى كتابه «العاطل الحالى والمرخّص الغالى» ولو أنها كانت منظومة بلغة رومانثية أو لاتينية كانت دارجة فى الأندلس ما استطاع فهمها ولا درسها دراسة علمية قيمة على نحو ما نقرأ فى كتابه السالف، الذى لا أبالغ إذا قلت إن أحدا لا يستطيع أن يدرس الأزجال الأندلسية دراسة علمية بصيرة دون الاعتماد عليه. ولم يبن دراسته للزجل على دراسة ديوان ابن قزمان وحده بل لقد استعرض معه طائفة من دواوين الزجالين الذين جاءوا بعده حتى القرن السابع مما يدل-بوضوح-على أنها كانت متداولة جميعا فى المشرق وأنها كانت منظومة بعامية عربية لا لاتينية دارجة أو رومانثية، ولا ننكر أنه تتخلل بعض الأزجال وخاصة عند ابن قزمان بعض ألفاظ رومانثية بحكم أنها دخلت العامية الأندلسية، بالضبط كما حدث لمثيلات لها فى لغات الشعوب التى فتحها العرب والتى استحدثت فيها عاميات مختلفة، ولكن ذلك لا يخرجها جميعا-كما لا يخرج العامية الأندلسية-من عالم العاميات العربية.

وبالمثل الشعبة الثانية من رأى «ريبيرا»، وهى أن الزجل نشأ مع الموشحة منذ أواخر القرن الثالث الهجرى فى حاجة أيضا إلى مراجعة، إذ لا تذكر المراجع الأندلسية أى شئ عن زجل أو أحد الزجالين قبل القرن السادس الهجرى، مما يمنعنا علميا أن ننسب نشأة الزجل إلى القرن الخامس فضلا عن القرن الرابع وما قبله. ونفس ابن قزمان


(١) انظر بالنثيا ص ١٤٢.
(٢) دراسات أندلسية للدكتور الطاهر مكى ص ١٨٦.
(٣) المقتطف ص ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>