للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتوفى فى منتصف القرن السادس يحدثنا فى مقدمة ديوانه بأن الزجالين الذين عاشوا فى زمنه أو قبله بقليل لم تستقر عندهم القاعدة الأساسية للزجل، وهى أن يكون بلغة عامية تخلو من الإعراب ومن التفاصح بالألفاظ العربية الجزلة، ويقول إن أول من اتخذ هذه القاعدة أساسا للزجل أخطل بن نماره وحده دون غيره ممن سبقوه فإن ألفاظ أزجاله ملحونة وسلسة. ويدل على أن أصول الزجل وقواعده لم تكن قد وضعت نهائيا قبل ابن قزمان، أنه عاد يأخذ على ابن نمارة تفاصحه ببعض الألفاظ التى لا تجرى فى العامية الأندلسية، وحمل بسبب ذلك على زجال يسمى يخلف بن راشد حملة عنيفة. وهذا يؤكد أن نشأة الزجل متأخرة وأنه لم يأخذ مقوماته وخصائصه الكاملة إلا على يد ابن قزمان، ويشهد بذلك ابن سعيد إذ يقول إن الأزجال قيلت بالأندلس قبل ابن قزمان ولكن لم تظهر حلاها، ولا انسكبت معانيها، ولا اشتهرت رشاقتها إلا فى زمانه (١)». ويجزم ابن خلدون بأنها ظهرت متأخرة محاكاة للموشحة، يقول: «لما شاع فن التوشيح فى أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا فى طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعرابا، واستحدثوا فنا سموه بالزجل» (٢).

ومعنى ذلك أن تصور «ريبيرا» ومن تابعه مثل غرسيه غوميس أن الزجل نشأ مبكرا مع الموشحة وأنه نظم بلغة رومانثية دارجة كانت تشيع على ألسنة أهل الأندلس تصور مخطئ أشد الخطأ، فقد نظم بلغة عامية عربية لا لاتينية دارجة، أو رومانثية، ونظم محاكاة للموشحة بعد أن شاعت وذاعت وازدهرت فى عصر الطوائف وما بعده كما يقول ابن خلدون. وسنخص ابن قزمان بكلمة. وينبغى أن نعرف أن الزجل مثل الموشحة يكثر فيه الغزل ووصف المتاع بالخمر ووصف الطبيعة والإعجاب بجمالها الفاتن والمديح والهجاء والرثاء وجميع أغراض الشعر العربى، وكان كثير منه ينشد فى الحثّ على جهاد النصارى وفى المناسبات الدينية. وأكبر زجّال فى الجيل التالى لابن قزمان هو أحمد بن الحاج المشهور باسم مدغلّيس (٣)، وهو من أهل المريّة، وله أزجال كثيرة فى مديح الأمراء والقواد، ويقول ابن سعيد إن أزجاله مطبوعة إلى نهاية، ويقول المقرى فى نفح


(١) المقتطف ص ٢٦٣.
(٢) مقدمة ابن خلدون (تحقيق د. على عبد الواحد وافى) ص ١٣٥٠.
(٣) انظر فى مدغليس المغرب ١/ ٢١٤ وتعليقنا على ترجمته فى الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>