للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطيب: كان أهل الأندلس يقولون: ابن قزمان فى الزجالين بمنزلة المتنبى فى الشعراء ومدغليس بمنزلة أبى تمام بالنظر إلى الانطباع والصناعة، فابن قزمان ملتفت للمعنى ومدغليس ملتفت للفظ، وكان أديبا معربا لكلامه مثل ابن قزمان (يريد أنهما كانا ينظمان الشعر الفصيح) ولكنه لما رأى نفسه فى الزجل أنجب اقتصر عليه» (١) وكان ديوانه يروى فى المشرق وحصل صفى الدين الحلى على مخطوطة منه، وأدار عليه وعلى ابن قزمان أكثر ملاحظاته على عروض الزجل الأندلسى وخصائصه اللغوية، وذكر له كما أسلفنا-ثلاث عشرة قصيدة عامية على أوزان الشعر العربى، وذكر له قطعا من أزجاله وأروعها الزجل الذى أنشده له ابن سعيد، وفيه يقول: (٢)

ثلاث آشيا فالبساتين ... لس تجد فى كلّ موضع

النّسيم والخضره والطّير ... شم واتنزّه وإسمع

ورذاذا دقّ ينزل ... وشعاع الشمس يضرب

فترى الواحد يفضّض ... وترى الآخر يذهّب

والنبات يشرب ويسكر ... والغصون ترقص وتطرب

ويشيد فى نهاية الزجل بغناء أم الحسن. والزجل مفعم بالسلاسة والعذوبة والتصاوير الرائعة الملحنة على أنغام وزن الرمل المرقص المطرب، وكأنما تحمل إلينا الألفاظ أنفاس البستان وأريج رياحينه. ومع أن مدغليس لم يوحّد القوافى بين الأجزاء الأولى المتقابلة فى قوافل هذا الزجل وأغصانه واكتفى باتحادها فى الأجزاء الثانية أسوة بابن قزمان فى بعض أزجاله يموج زجله بجرس يلذ الأذن ويمتع النفس لدقته فى اصطفاء ألفاظه وحسن ذوقه فى انتخابها حتى لكأننا نستمع فيها إلى لحن موسيقى. وربما كان هو أول من ابتكر صياغة القصائد بالعامية التى أسلفنا الحديث عنها، وكأنما رأى أن يقيس القصيدة على الموشحة، فكما صاغوا الزجل قياسا على الموشحة صاغ القصائد العامية قياسا على قصائد الفصحى بنفس أعاريضها المستعملة عند العرب-كما مرّ بنا-من مديد وخفيف وغير ذلك. ومن كبار الزجالين بعده أبو الحسن على بن محمد الشاطبى، وقد أنشد له صاحب العاطل الحالى قطعة من زجل يبدو أنه كان من أزجال الاستنفار للجهاد وأنه قاله عقب انتصار، يقول فيه واصفا حال العدو (٣):


(١) النفح ٣/ ٣٨٥.
(٢) المغرب ٢/ ٢٢٠.
(٣) انظر العاطل الحالى ص ٣٤ و ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>