عليها أى دليل، بل كل شئ ينقضها نقضا فقد صيغت الأزجال محاكاة للموشحات كما لا حظ ابن خلدون، وهى لذلك تلتقى بها فى أوزانها العربية وتفاعيلها المعروفة على نحو ما أوضحنا فى تحليلنا العروضى لطائفة من الموشحات، بل لقد أوضحنا ذلك فى الأزجال المارة إذ ذكرنا معها أعاريضها وأوزانها العربية. ولو أن غرسية غوميس درس أعاريض الشعر العربى ودوائر الخليل التى أثبتها ابن عبد ربه فى العقد الفريد وتأنّى فى قراءة أزجال ابن قزمان لعرف أنها جميعا لا تخرج عن الأعاريض العربية، وكيف كان يمكن لناسخها فى صفد قديما أن ينسخها، وكيف كان يمكن لصفى الدين الحلى أن يدرسها فى كتابه العاطل الحالى، وهى على أعاريض الأشعار الأوربية أو الأندلسية: أعاريض النبر والمقاطع. ونفس صفى الدين يشهد فى كتابه بأنها جمعت بين أصول الطرب وصحة أوزان العرب (١). ونضيف كيف كان يمكن للبلدان العربية أن تحاكيها وأن تزدهر فيها إلى اليوم لو أنها كانت على أعاريض الشعر الأوربى؟ إن كل ذلك يقطع بأن الزجل نظم-مثل الموشحة على الأعاريض العربية، سواء عند ابن قزمان أو عند غيره من الزجالين.
والديوان-بدون ريب-كنز نفيس لأن الزمن لم يحتفظ لنا من دواوين الأزجال الأندلسية إلا به، وفيه غنية عن سواه لأنه ديوان إمام الزجالين فى الأندلس غير مدافع، ويتراءى لنا فيه ابن قزمان ماجنا عاكفا على اللذات من الخمر والنساء والغلمان لا يرعوى ولا يزدجر، وهو يعلن ذلك مرارا مجاهرا به فى غير حياء، ويبدو أنه كان يهبط أحيانا إلى صور من العبث والمجون جعلت ابن المناصف القاضى يأمر بسجنه، ويستغيث بالقائد المرابطى محمد بن سير فيرد إليه حريته. وطبيعى لمن يعيش هذه المعيشة الماجنة المسرفة فى المجون أن يتلف كل ما ورثه من مال وأن لا يبقى على مال يصل إلى يده، مما جعله فى أزجاله مداحا كبيرا للأمراء والولاة وسلاطين المرابطين والقضاة ووجهاء قرطبة وغير قرطبة إذ كانت له رحلات إلى إشبيلية وغير إشبيلية، يستجدى العطاء فى إلحاح. وهو يهبط فى هذا الاستجداء حتى ليطلب الثياب والدقيق والفحم والزيت وأجرة البيت الذى يسكنه مصورا فى تضاعيف ذلك بؤسه وحرمانه وما هو فيه من تعاسة وضنك ومسغبة حتى ليدنو من صورة أصحاب الكدية والتسول. وهو جانب ننكره عنده كما ننكر إسرافه فى اللهو وما ملأ به أزجاله من مجون وإثم. غير أننا إذا نحينا ذلك كله عن ابن قزمان يظل عندنا الزجّال الفنان الكبير الذى أعطى للزجل صورته العامية
(١) العاطل الحالى ص ٢٢ ويؤكد صفى الدين ذلك قائلا إنهم خالفوا أحيانا بين الأوزان فى الأقفال والأغصان من غير أن يخسروا فى الميزان.