التامة وسلاسته وعذوبته المكتملة بحيث أصبح يخلب الألباب بخفته ورشاقته من مثل هذه الفقرة الأخيرة من الزجل رقم ٥٨ فى الديوان:
لا نسيت إذ زارنى حبّى ... وانجلى همى وزاد كربى قلت له وقتا أخذ قلبى
قال متى تجين قل غدا ... وغدا للناظرين قريب
والزجل من وزن الرمل مع تعديل طفيف فى جزئى القفل. والجزء الثانى فى الغصن:
«وانجلى همى وزاد كربى» يدل على عمق شاعرية ابن قزمان وأحاسيسه، فحين زال همه زاد كربه، وهى صيغة لا يقولها إلا من شفّه العشق. ويقتطف صفى الدين الحلى هذا المطلع من أحد أزجاله (١):
قالوا عنّى بأنّى فيك عاشق ... إيش تقل يصدقوا
يا حبيبى لقيت كثير فى الناس ... بالصواب ينطقوا
هذا شى والنّبى يا نور عينى ... ما تحّدثت بيه
ول بالله خطر على بالى ... لا ولا خضت فيه
والزجل من وزن المقتضب: مفعولات مستفعلن فعلن. والفقرة رقيقة رقة شديدة، مع غير قليل من الرفق والعطف والحب الذى يكظمه فى نفسه ويشيع-دون إرادته-من حوله وحول محبوبته. وأنشد له ابن سعيد فى المغرب طائفة من أزجاله الماجنة، وتتخللها أحيانا قطع أو فقر بديعة فى وصف الربيع والطبيعة مثل قوله:
الرّبيع ينشر علام ... مثل سلطانا مؤيّد
والثمار تنثر حليّه ... بثياب بحل زبرجد
والرياض تلبس غلالا ... من نبات فحل زمرّد
والبهار مع البنفسج ... يا جمال ابيض فى أزرق
واستمر يذكر الندى يترقرق على الغصون وأزهار الخيرى والآس، والماء يجرى، والظل يمتد يمينا ويسارا. ويستطرد إلى الحديث عن الخمر وإلى غزل يصور فيه غريزته النوعية. وواضح أنه صاغ هذا الزجل من وزن الرمل المرقص المطرب. وإذا كانت تشوب أزجاله أحيانا كلمات أو صيغ رومانثية فإنها جاءته من العامية الأندلسية، وهى أشياء محدودة لا تخرج صياغة أزجاله إلى صياغة لاتينية أو رومانثية كما ظنّ «ريبيرا»
(١) العاطل الحالى ص ٣٤