للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعتاد لمقاومة الخطر الفاطمى، ويستطيع يحيى التغلب على نصير الفاطميين موسى بن أبى العافية ويعلن ولاءه للناصر. ولا يسلك الحكم المستنصر مسلك أبيه فى تلك السياسة إذ ألقى بخيرة قواده وجنوده فى الصراع مع المغرب، ولم يظفر من ذلك بطائل سوى إضعاف جبهته الشمالية فى حروبه مع نصارى الإسبان. وفى هذه الأثناء وفد عليه جعفر بن على أمير الزاب وأخوه يحيى معلنين الانفصال عن معدّ الفاطمى ودعوته وولاءهما له، وهلّل شعراؤه بوفادتهما طويلا، من ذلك قول شاعره محمد بن شخيص (١):

بأيمن إقبال وإسعاد طائر ... تباشير محتوم من الأمر واقع

توافت بملك من معدّ مقوّض ... لملك إلى مهدىّ مروان راجع

فيالك من بشرى سرور تضمّنت ... بلوغ الأمانى عن سعود الطوالع

فجعفر يغنى عن جنود برأيه ... ويحيى يلاقى حاسرا ألف دارع

وهو يقول إن وفودهما بشرى بأن ملك معد الفاطمى تقوض من أساسه للملك المروانى: الحكم، ويصفه بأنه مهدى منتظر على نحو ما كان معد يصف نفسه. ويتغنى بذلك شاعر الحكم محمد بن حسين الطّبنى وغيره من الشعراء. ويخلفه على العرش ابنه المؤيد وهو غلام فى الثانية عشرة من عمره ويحجب له المنصور بن أبى عامر وابناه المظفر والناصر، ويظل صولجان الحكم بيد المنصور نحو ربع قرن ويخلفه عليه ابناه نحو سبع سنوات وكان المنصور شجاعا فأكثر من غزوات النصارى فى الشمال حتى بلغت-فيما يقال-نيفا وخمسين غزوة، ومن أهمها غزوة جربيرة فى صيف سنة ٣٩٠ وفيها هزم نصارى الشمال هزيمة ساحقة تغنى بها شعراؤه طويلا من مثل قول صاعد (٢):

اليوم عاش الدّين وابتدأ الهدى ... غضّا وعاد الملك عذب المورد

من فاته بدر وأدرك عمره ... جربير فهو من الرّعيل الأسعد

وهو يجعل غزوة جربيرة أختا لغزوة بدر التى أعز الله بها الإسلام ورسوله والمؤمنين


(١) قطعة المقتبس الخاصة بالحكم المستنصر (طبع بيروت) ص ٥٤. وانظر فى ترجمة ابن شخيص الحميدى فى الجذوة ص ٨٤ وبغية الملتمس ص ١١٩ واليتيمة للثعالبى (تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد-طبع دار الفكر) ٢/ ٢٢ وقال الضبى فى البغية: له على لسان رجل يعرف بأبى الغوث أشعار مشهورة فى أنواع الهزل.
(٢) انظر أعمال الأعلام للسان الدين بن الخطيب ص ٧٢ - ٧٣ وهو صاعد البغدادى اللغوى الشاعر الوافد على المنصور بن أبى عامر، وراجع ترجمته فى الذخيرة ٤/ ١/٨ وما بعدها والحميدى: ٢٣٣ والبغية رقم ١٥٢٣ والصلة رقم ٥٣٦ ومعجم الأدباء ١١/ ٢٨١ وإنباه الرواة ٢/ ٨٥ والمعجب للمراكشى ص ٧٥ وابن خلكان ٢/ ٤٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>