للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلهج بمديحهما والثناء عليهما طويلا، من مثل قوله فى يحيى من مدحة طويلة (١):

ندب عليه من الوقار سكينة ... فيها حفيظة كلّ ليث مخدر (٢)

مثل الحسام إذا انطوى فى غمده ... ألقى المهابة فى نفوس الحضّر

أزرى على البحر الخضمّ لأنه ... فى كل كفّ منه خمسة أبحر

أقبلت مرتادا لجودك إنه ... صوب الغمامة بل زلال الكوثر (٣)

وانتهت دولة المرابطين وخلفتها دولة الموحدين منذ سنة ٥٤١ وأخذت المدن الأندلسية تستظلّ بلوائهم من مثل الجزيرة الخضراء ورندة ثم إشبيلية وقرطبة وغرناطة، وظل شرقى الأندلس: مرسية وجيّان وبلنسية بيد محمد بن سعد المشهور باسم ابن مردنيش حتى توفى سنة ٥٦٧ فدخل كل ما بيده فى حوزة الموحدين. وأمر عبد المؤمن ببناء مدينة على جبل طارق، حتى إذا تم بناؤها عبر الزقاق إلى هذا الجبل بجموع غفيرة سنة ٥٥٦ وسماه جبل الفتح، وأقام به شهرا يستقبل وفود الأندلس للبيعة من أهل مالقة وغرناطة وقرطبة وإشبيلية. واتخذ يوما لاستقبال الشعراء، وكانوا قد جاءوه من كل مدينة لاستقباله ومديحه، وكان يوما مشهودا، أنشده كثيرون منهم قصائدهم فيه، وفى مقدمتهم الأصم المروانى القرطبى الشاعر حفيد الشريف الطليق والرصافى البلنسى محمد بن غالب، وسنفرد له ترجمة عما قليل وأحمد بن سيد الإشبيلى وأخيل الرندى وأبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطى، وأنشده مدحة يقول فى تضاعيفها (٤):

دعانا نحو وجهك طيب ذكر ... ويدعو للرياض شذا الرياح

وكنت كساهر ليلا طويلا ... ترنّح حين بشّر بالصباح

ورتّب عبد المؤمن أمور الأندلس، واتخذ ولاة لمدنها الموالية له، وولّى مدينة إشبيلية وأعمالها ابنه يوسف ولى عهده، وبذلك كانت حاضرة الموحدين فى الأندلس، وولّى ابنه عثمان غرناطة وأعمالها، وكان محبّا للأدب والشعر، فاجتمع حوله شعراء أندلسيون كثيرون. وخلف يوسف (٥٥٨ - ٥٨٠ هـ‍) أباه وكان ممدحا، ومن مدّاحه أبو محمد المالقى وهو يستهل مدحة قدّمها له بأنه سيملك العالم بأقاليمه السبعة المعروفة لزمنه تسنده سور الحواميم القرآنية السبع التى يرددها هى وغيرها من سور القرآن الكريم آناء الليل


(١) ابن خلكان ٦/ ٢٠٤.
(٢) حفيظة: حمية. ليث مخدر: أسد فى خدره وغيله.
(٣) صوب: مطر. الكوثر: نهر فى الفردوس.
(٤) انظر مدحته فى المغرب ٢/ ١٦٤ وسنخصه بكلمة فى الفصل التالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>