للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصورة فى البيت الأخير بديعة، ولليكّى يحيى بن سهل هجّاء الأندلس فى المرابطين معللا لتسميتهم بالملثمين بالغا بهم الغاية من المديح (١):

قوم لهم شرف العلا فى حمير ... وإذا انتموا صنهاجة فهم هم

لما حووا إحراز كلّ فضيلة ... غلب الحياء عليهم فتلثّموا

واشتهرت أسرة مغربية زمن المرابطين بأنها حامية للآداب وراعية للشعر والشعراء، وهى أسرة بنى عشرة أصحاب خطة القضاء فى مدينة «سلا» على شاطئ المحيط، وأول من رحل إليه شعراء الأندلس لمديحه أو أرسلوا إليه بمدائحهم القاضى على بن القاسم بن عشرة المتوفى سنة ٥٠٢ وهو ممدوح يحيى بن بقى وعيسى بن وكيل الغرناطى ومحمد بن سوار الأشبونى المترجم له بين شعراء الرثاء، وكان قد خلصه من أسره عند النصارى بفدية كبيرة فأكثر من مديحه بمثل قوله (٢):

لو أن رفقك فى القلوب مركّب ... لم يلتقم فى البحر يونس حوت

ولقد حملت من الوقار سكينة ... لم يحتملها قبلك التابوت

وهو يشير إلى الآية الكريمة عن الرسول يونس عليه السلام: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} وإلى آية سورة البقرة عن طالوت: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}. وخلف عليا فى القضاء ابنه أحمد وأنشد ابن بسام فى ترجمته بالذخيرة مدحه لابن سوار فيه، وكان هو وأخوه يحيى موئلا لشعراء الأندلس، وبنى أحمد قصرا، هنأته به الشعراء، وكان المتفلسف الشاعر أبو عامر محمد بن الحمارة حاضرا ولم يكن أعدّ شيئا ففكر قليلا، ثم أنشد (٣):

يا أوحد الناس قد شيّدت واحدة ... فحلّ فيها حلول الشمس فى الحمل (٤)

فما كدارك فى الدنيا لذى أمل ... ولا كدارك فى الأخرى لذى عمل

ومرّ بنا فى ترجمة يحيى بن بقى بين الوشاحين أنه خصّ القاضى أحمد وأخاه يحيى بدرر كثيرة من موشحاته وأشعاره بينما كانا يواليان إغداق نوالهما عليه، مما جعل لسانه


(١) المغرب ٢/ ٢٦٨ وسنفرد له ترجمة فى الفصل التالى بين الهجّائين.
(٢) البيتان فى ترجمته بالذخيرة ٢/ ٨١١.
(٣) انظر ترجمة أبى عامر فى النفح ٤/ ١٣ و ١٤٠ وقد دعاه أبا الحسين على بن الحمارة وراجع ترجمته فى المغرب ٢/ ١٢٠ وفى البغية ص ٥١٧.
(٤) الحمل: من منازل الشمس.

<<  <  ج: ص:  >  >>