للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدس، وإن كان نجا ألفونس وبعض جنده فإلى عيش نكد تعس. وتوفى يعقوب بعد أربع سنوات، وخلفه ابنه الناصر محمد (٥٩٥ - ٦١٠ هـ‍) وفى عهده استرد ألفونس وجنوده قواهم وأخذ يعدّ لمعركة فاصلة استصرخ لها الشعوب الأوربية حتى بلغ استصراخه إلى بيزنطة، وكأنما شعر الناصر بهذا الإعداد، فعبر إلى الأندلس واستقبله الشعراء بمثل قول أحمد بن شطريّة القرطبى (١):

كذا يشرف الطالع الأسعد ... ويسمو لأملاكه السّيّد

ويرعى أقاصى أقطاره ... قريب له عزمة تبعد

وأخذ الناصر يعدّ العدة للقاء ألفونس، بينما جاءه عباد الصليب من كل أركان أوربا وقد منحهم البابا الغفران. ولم تلبث رحى هذه الموقعة الصليبية أن دارت فى سهل يقع إلى الشمال الشرقى من قرطبة وجنوبى قلعة رباح، ومنى الناصر وجيش المسلمين بهزيمة فادحة، كانت نذيرا لانتهاء دولة الموحدين، واستولى ألفونس سريعا على قلعة رباح وبياسه وأبدة. وتوفى الناصر بعد نحو عام من الموقعة، وخلفه ابنه المستنصر (٦١٠ - ٦٢٠ هـ‍) وتوفى، فخلفه عمه العادل فأخوه المأمون فالرشيد، والدولة تزداد وهنا على وهن، مما هيأ لملوك قشتالة وأراجون الاستيلاء على كثير من الحصون والمدن، وأخذت تسقط فى حجورهم العواصم الكبرى، وأصبح كل شئ يؤذن بخروج العرب من الأندلس، وأخذ كثيرون من علمائها وشعرائها يغادرونها الى المغرب والمشرق، واتصل ذلك طوال القرن السابع. وكان كثيرون منهم يمنون أنفسهم بأنهم سيعودون إلى وطنهم بجحافل الجيوش المغربية التى ترد الأمر إلى نصابه، ومنهم ابن الأبار وسنترجم له بين شعراء الاستصراخ، ومنهم حازم القرطاجنى الذى اتجه إلى أبى زكريا الحفصى، وقدم إليه مدحة يقول فيها (٢):

أمير الهدى من يدن منك فإنه ... بقربك عن صرف الحوادث قد أقصى

عسى الله أن ينتاش أندلسا بكم ... ويأخذ فيها للهدى أخذ مقتصّ

وسنترجم له بين أصحاب الشعر التعليمى. وكان قد قيّض للأندلس منذ الثلاثينيات فى القرن السابع ابن الأحمر فأقام بغرناطة دولة أسرته التى استمرت نحو قرنين ونصف،


(١) انظر البيتين فى ترجمته بالمغرب ١/ ١٣٩ وله ترجمة فى تحفة القادم لابن الأبار رقم ٦١ ومعها بعض شعره.
(٢) ديوان حازم القرطاجنى (طبع بيروت) ص ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>