للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونالوا فيها غير قليل من الشهرة مثل الغزال يحيى بن حكم شاعر الأمير عبد الرحمن الأوسط وأحمد بن فرج الجيانى صاحب كتاب الحدائق شاعر الحكم المستنصر. ورحل إليها مخلفا وراءه زوجته وابنته سنة ٣٨٢ وكان المنصور بن أبى عامر حاجب المؤيد هشام فى الذروة من سلطانه، وكان يرعى الشعراء، واتخذ لهم ديوانا لأعطياتهم ورواتبهم وأقام عليه أديبا بصيرا بالشعر هو عبد الله بن مسلمة فعرض عليه ابن دراج مدحة فى المنصور أعجبته فقدمه إليه، وأخذ المنصور يختبر بداهته فى نظم الشعر وهو يوفّق فيما يطلبه ويختبره فيه، وألحقه بدواوينه وفسح له فى مجالسه، وطلب إليه ذات مرة أن يعارض أبا نواس فى رائيته: «أجارة بيتينا أبوك غيور» فنظم فى معارضتها قصيدة بديعة صوّر فيها امرأته متلهفة عليه فى وداعه مشفقة ورضيعها فى المهد وهى تتجرع مرارة الفراق وتنتحب. . يقول:

ولما تدانت للوداع وقد هفا ... بصبرى منها أنّة وزفير

تناشدنى عهد المودّة والهوى ... وفى المهد مبغوم النّداء صغير (١)

تبوّأ ممنوع القلوب ومهّدت ... له أذرع معطوفة ونحور

ويطيل فى تصوير هذا الوداع مما جعل القصيدة تطير شرقا وغربا، ويصور رحلته من جيان إلى قرطبة لزيارة المنصور ومديحه، ويشيد بجهاده للنصارى فى الشمال ونصرته للدين الحنيف وانقضاضاته المتوالية على الأعداء. وكان ملوكهم ما يزالون يفدون عليه فى قرطبة معلنين خضوعهم له وطاعته، ووفد فى أول سنة نزل بها ابن دراج قرطبة ملك نبارّة معلنا ولاءه ومحكّما له فى نفسه، فأنشده مدحة يقول فيها:

ألا هكذا فليسم للمجد من سما ... ويحمى ذمار الملك والدين من حمى (٢)

فهذا عظيم الشّرك قد جاء خاضعا ... وألقى بكفّيه إليك محكّما

ووفد فى نفس السنة أمير قشتالة وولى عهدها على المنصور، ويصف فى لامية له مثوله خانعا بين يدى المنصور والعرض العسكرى الرهيب الذى أقيم لاستقباله. ولا يفد أمير ولا ملك إلا وابن دراج يشيد بالمنصور ويمدحه، وبالمثل كان يوالى مدائحه فيه مع انتصاراته المتعاقبة، ومعروف أن المنصور غزا طوال حجابته اثنتين وخمسين غزوة، وحضر ابن دراج غزواته الأخيرة، ومع كل غزوة كان يغزوها ينشده مدحة بديعة كان بحقّ أهلا لها وجديرا، ومن أهم تلك الغزوات غزوة شنتياقب فى جلّيقية بأقصى الشمال الغربى


(١) مبغوم النداء: رقيقه ولينه.
(٢) ذمار الملك: ما ينبغى حياطته والدفاع عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>