للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإسبانيا وفيها دمر المسلمون تلك البلدة مشعلين النار فيها وفى كنيستها، وتعدّ من أهم مراكز الحج عند المسيحيين وفى تلك الوقعة يقول ابن دراج فى مدحه بديعة:

لقد قصمت عرى دين الضلالة من ... رأس القواعد ممنوع الحمى أشبه (١)

وسمته جاحما للنار ما بقيت ... نفس من الكفر إلا وهى من حطبه

فالله جازيك يا منصور غزوته ... بسيف ماض لنصر الدين محتسبه

ويتوفى المنصور بن أبى عامر سنة ٣٩٢ ويخلفه ابنه المظفر عبد الملك وكانت مدته حتى سنة ٣٩٩ فترة رخاء ورفاهية، وسكن الناس منه إلى عدالة ونزاهة، واستنّ سنة أبيه فى غزو النصارى، ولابن دراج فيه مدائح مختلفة. وخلفه أخوه عبد الرحمن فى الحجابة لمدة شهرين إذ قتل فى إثرهما وكان نحسا على نفسه وعلى الأندلس إذ انفتح به باب فتنة ظلت قرطبة تعانى منها أشد العناء نحو عشرين عاما هدّمت فيها أحياء وهدمت الزهراء مدينة عبد الرحمن الناصر والزاهرة مدينة المنصور بن أبى عامر. ونجد ابن دراج يقدم مدائحه لمن يستولون على صولجان الخلافة والحكم واحدا بعد الآخر، فهو يقدمها للخليفة الجديد المهدى، ثم للخليفة الثائر عليه المستعين ولوزيره القاسم الحمودى ويعبر الزقاق إلى سبتة لمديح أخيه على بن حمود ويستظهر فى مديحه مشاعر التشيع له، لنسبه ونسب أسرته إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم. ومرّ بنا أن الحموديين لم يستشعروا حقوق أهل البيت النبوى فى الخلافة، ولذلك كان مثل هذا التشيع لا يلقى منهم استجابة. ويترك ابن دراج على بن حمود إلى الأمراء الذين استولوا فى أثناء الفتنة على بلدان الأندلس الشرقية: مرسية وشاطبة وطرطوشة والمرية وصاحبها خيران الصقلبى، ويمدحه بنونية يستهلها بقوله لك الخير قد أوفى بعهدك خيران ... وبشراك قد آواك عزّ وسلطان

ويقصّر خيران فى جزائه، وينتهى به المطاف-بعد سنوات ثمان مضنية-إلى الأمراء التجيبيين فى سرقسطة سنة ٤٠٨ ويهنأ بها فى رعاية منذر بن يحيى التحيبى ولا يترك مناسبة إلا ويمدحه فيها وخاصة حين ينكّل بالنصارى المجاورين لإمارته على نحو ما نرى فى عينيه، يهنئه فيها بجهاده فى شهر رمضان وظفره بأعدائه، يقول فيها:

ساقى الحياة لمن سالمت، مطعمها ... ذعاف سمّ لمن حاربت ناقعه (٢)

مواصلا بالنّدى ما الله واصله ... وقاطعا بالظّبى ما الله قاطعه


(١) أشب: ملتف الشجر، ويقصد الكنيسة وكانت على مرتفع غاص بالشجر.
(٢) السم الذعاف: السم القاتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>