فى جيش عزّ ونصر أنت غرّته ... وشمل دين ودنيا أنت جامعه
ويتوفى منذر سنة ٤١٢ فتظل له نفس المنزلة والرعاية عند ابنه يحيى، حتى إذا كانت سنة ٤١٩ وسمع بما ذاع وشاع عن مجاهد أمير دانية والجزائر الشرقية وإسباغه العطايا الجزيلة على الشعراء والعلماء وفد عليه مادحا بقصيدة بديعة استهلها بقوله:
إلى أىّ ذكر غير ذكرك أرتاح ... ومن أىّ بحر بعد بحرك أمتاح
واحتفل مجاهد بقدومه عليه وأجزل له فى العطاء مما جعله يؤثر المقام عنده ولكن القدر لم يمهله فقد توفى بدانية بعد عامين من نزوله بها سنة ٤٢١
وقد أشاد بابن دراج كل من كتبوا عنه شرقا وغربا، فالثعالبى يقول عنه فى اليتيمة:
«كان بصقع الأندلس كالمتنبى بصقع الشام وهو أحد الشعراء الفحول وكان يجيد ما ينظم» ويقول ابن حيان عنه: «أبو عمر بن دراج القسطلى سبّاق حلبة الشعراء العامريين وخاتمة محسنى أهل الأندلس أجمعين» ويصفه ابن شهيد «بجزالة شعره وصحة قدرته على البديع وحوك الكلام وتلاعبه بالمعانى وإطالته فيها» ويقول ابن بسام عنه:
«لسان الجزيرة شاعرا وآخر حاملى لوائها، سار نظمه ونثره مسير الشمس» ويلاحظ بحق كثرة اقتراضه للمعانى من المتنبى، ولا حظ ابن شهيد كثرة استخدامه للبديع، وكأنه يحاكى فيه أبا تمام، وقد عرضنا من ذلك أمثلة فى ترجمتنا له بكتاب «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى»، كما عرضنا أمثلة أخرى تدل على ميله للتصنع، إذ يتصنع فى بعض شعره للمصطلحات العلمية. ومما يلاحظ عليه أنه يكثر عنده حين يلم بمعنى أن يطيل فيه حتى يفقد حرارته، وأيضا يلاحظ عليه كثرة معارضاته لقصائد المشارقة وخاصة أبا نواس وأبا تمام والمتنبى، وهو-كما ذكرنا فى كتاب الفن ومذاهبه فى الشعر العربى-يلتقى صوته فى أشعاره بصوت ابن هانئ فى العناية باللفظ الطنان وقعقعاته، وتعلق منذ قصائده الأولى بالشكوى من الدهر والسخط على الناس محاكيا بذلك المتنبى فى مطالع كثير من قصائده، وازداد هذا النغم عنده منذ الفتنة التى جعلته يحس بالضياع سنين عديدة.