المعتضد بالتفريق بينهما وخروج ابن عمار عن بلده، فمضى يطوف بأمراء الطوائف، ففترة عند المعتصم بن صمادح أمير المريّة وفترة عند أبى عبد الرحمن بن طاهر أمير مرسية، وفترات أخرى عند غيرهما، إلى أن توفى المعتضد فاستدعاه المعتمد وقرّبه حتى أصبح أقرب إليه من حبل الوريد، وسأل المعتمد ولاية شلب: بلده ومنشئه، فأجابه إلى أن اشتد شوقه إليه، فاستدعاه منها واتخذه وزيره ومستشاره.
وطمح المعتمد إلى الاستيلاء على مرسية، وزيّن له ذلك ابن عمار، فأعدّ جيشا جرارا بقيادته وقيادة عبد الرحمن بن رشيق، وتكفل له ابن عمار بأخذها وإخراج ابن طاهر عنها، غير مراع له حرمة برّه القديم به كما أسلفنا. ونزل بالجيش على مرسية سنة ٤٧١ وأخذها وأخرج ابن طاهر عنها، وتمادى فى إنكاره للجميل إذ سوّلت له نفسه أن يستلبها من المعتمد وأن يعلن استقلاله بها، ودانت له هى وأعمالها، وجلس مجلس التهنئة للخواص والعوام واستقبل الشعراء يهنئونه ويمدحونه. واستعمل على الحصون خساس عبيده وأقطعهم الضياع وأقبل على اللهو والخمر والمتاع، وعبثا حاول المعتمد بن عباد أن يرده عن غيّه، وله معه مراجعات شعرية كثيرة، وبدلا من أن يطلب الصفح هجاه وهجا زوجته الرّميكيّة قرة عينيه بقصيدة طارت شهرتها فى الأندلس منها:
فيا عامر الخيل يا زيدها ... منعت القرى وأبحت العيالا (١)
وأفحش فيها غاية الفحش ولم يفكر فى العواقب، وبينما كان سادرا فى خمره ولهوه أخذ عبد الرحمن بن رشيق يستبدل العبيد من ولاته ببنى إخوته وأخواته حتى صارت مرسية وأعمالها فى يده، حينئذ انتهز فرصة خروجه لرؤية حصن من حصونه، وأغلق أبواب مرسية فى وجهه. وعرف أن لا سبيل إلى دخولها فولّى وجهه نحو سرقسطة وأميرها المؤتمن بن المقتدر بن هود (٤٧٤ - ٤٧٨ هـ.) واستقبله على مضض منه لما فعل بالمعتمد ولىّ نعمته، وأرسل إليه قصيدة يستعطفه بها استهلها بقوله:
علىّ وإلا ما نواح الحمائم ... وفىّ وإلا ما بكاء الغمائم
وأخذ يذكّره بأيامه معه ويسترحمه، لعله يرق له، ولكن ذنبه كان عظيما. ولم يلبث أن رغّب المؤتمن فى الاستيلاء على حصن شقورة شمالى مرسية من يد أميرها عتاد الدولة عبد الله بن سهل، فعرف عتاد الدولة كيف يخدعه ويودعه سجنه، وأرسل إلى المعتمد وغيره من الأمراء هل لأحد فيهم رغبة فى شراء هذا الخائن الآثم الكنود؟ فأرسل إليه