للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعتمد ابنه الراضى بمال وخيل، وتسلّمه من عتاد الدولة سنة ٤٧٧ وحاول أن يستلين قلب الراضى ببعض شعره فلم يصغ إليه، ونظم فى طريقه إلى المعتمد قصيدة يستعطفه بها افتتحها بقوله:

سجاياك-إن عافيت-أندى وأسمح ... وعذرك-إن عاقبت-أجلى وأوضح

ولم ينفعه عند المعتمد تذلله فيها وتضرعه، وكان بقرطبة، فكان يحضره كل ليلة راسفا فى قيوده ويوبخه على سوء فعله، وانحدر به إلى إشبيلية، وأودعه غياهب السجون إلى أن استثارته عليه زوجته الرميكية فأجهز عليه، ورثاه عبد الجليل بن وهبون ببيت مفرد هو قوله:

عجبا لمن أبكيه ملء مدامعى ... وأقول: لا شلّت يمين القاتل

وبدون ريب كان ابن عمار انتهازيا وصوليا لا يرعى صداقة ولا عهدا، أما شعره ففى الذروة من شعر الأندلسيين وفيه يقول الفتح فى القلائد: «مقذف حصا القريض وجماره ومطلع شمسه وأقماره» ويقول ابن بسام: «شعره غرّب وشرّق، وأشأم فى نغم الحداة وعلى ألسنة الرواة وأعرق. . وهو يضرب فى أنواع الإبداع بأعلى السهام، ويأخذ من التوليد والاختراع بأوفر الأقسام» ويطيل فى الإشادة به، ويقول ابن الأبار فى ترجمته: «من بديع صنيعه إتلاف أشعاره المقولة فى الامتياح وقصائده المصوغة فى الانتجاع ومحو آثارها فما يوقف منها اليوم على شئ سوى أمداحه فى المعتضد وما لا اعتبار به لنزوله» ويتيمته-بحق-وفريدته مدحته الرائية فى المعتضد عباد التى ذكرنا مطلعها، وفيها يصف روضا كأنه حسناء تكتسى بوشى الزهر الأنيق، وتتقلّد بجوهر الندى النفيس، ويخرج إلى المديح فينشد:

عباد المخضرّ نائل كفّه ... والجوّ قد لبس الرداء الأغبرا (١)

أندى على الأكباد من قطر النّدى ... وألذّ فى الأجفان من سنة الكرى (٢)

أيقنت أنى من ذراه بجنّة ... لما سقانى من نداه الكوثرا (٣)

فاح الثّرى متعطّرا بثنائه ... حتى حسبنا كلّ ترب عنبرا

وما يزال ابن عمار يفجأ قارئ مدحته بهذه الصور والمعانى البديعة، ومما يفجأ قارئه به تصويره لإطاحة المعتضد بالملوك ودقّه لأعناق كماتهم وشجعانهم إذ يقول:


(١) الجو قد لبس الرداء الأغبر: كناية عن الجدب.
(٢) الكرى: النوم. سنة الكرى: الغفوة فى أوله.
(٣) ذراه: كنفه. الكوثر: نهر فى الجنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>