على ما أنعم به عليه. وتظل الأيام تسير رخاء حتى سنة ٧٧٣ إذ يترامى إلى ابن الخطيب أن مؤامرة تدبّر للقضاء عليه فيفر فجأة إلى السلطان المرينى عبد العزيز بتلمسان ويحتلّ ابن زمرك منصبه، فيصبح الوزير الأول للسلطان الغنى بالله. ويرسل الغنى بالله إلى السلطان المرينى أبا الحسن النباهى قاضى الجماعة بغرناطة ليتسلم منه ابن الخطيب متّهما بتهمة الإلحاد والزندقة. وأخفق القاضى فى مهمته، إذ حمى ابن الخطيب منه السلطان المرينى، غير أن حاميه لم يلبث أن توفى سنة ٧٧٤ ونقل المرينيون عاصمتهم إلى فاس، وتجددت مساعى الغنى بالله للقبض على ابن الخطيب، وأخيرا يقبض عليه فى سنة ٧٧٦ وتقدم من غرناطة لجنة لمحاكمته برياسة ابن زمرك ويمثل أمامها ويعنف به تلميذه القديم وصنيعته فى المحاكمة متهما له بالزندقة والإلحاد لعبارات صوفية وردت على لسانه فى كتابه:«روضة التعريف بالحب الشريف» ويسترسل فى توبيخه. وزجّ به فى غياهب السجون، وبإحدى الليالى دسّ إليه من قتله وأشعلت فيه النار على قبره قبل دفنه، فاسودّت بشرته ووورى التراب مأسوفا عليه لتهمة زائفة دبّرت له كيدا آثما. ونعم ابن زمرك بوزارة الغنى بالله عشرين عاما متوالية أصبح فيها المدبّر لشئون الإمارة حتى ليروى ابن الأحمر المؤرخ سفاراته الموفقة للغنى بالله إلى الملوك وأنه فوّض له فى عقد الصلح بين الملوك بالعدوتين أى بين ملوك المغرب وملوك إسبانيا والبرتغال، ويقال إنه فوّضه فى الصلح مع النصارى تسع مرات. ويتوفى الغنى بالله سنة ٧٩٣ ويخلفه ابنه يوسف الثانى فيهوى به من حالق إلى غياهب السجون ويردّ إليه بعد نحو عام ونصف حريته ويعيده إلى منصبه، وبعد أيام قليلة يتوفى ويخلفه ابنه محمد السابع فيعزله ويولى مكانه محمد بن عاصم، ثم يعيده إلى منصبه سنة ٧٩٥ وسرعان ما اقتحم حرس السلطان عليه داره وفتكوا به وبابنين له.
وإذا أغضينا النظر عن أخلاقية ابن زمرك وجحوده لفضل أستاذه ابن الخطيب والتجنى عليه لمآرب دنيوية زائلة ورجعنا إلى شعره وموشحاته نقرؤهما وجدناه ينزل فيهما منزلا عليّا من شعراء الأندلس فى مختلف عصورهم، ويذكر السلطان يوسف الثالث فى كتابه السالف:«البقية والمدرك من كلام ابن زمرك» أنه خدم جده السلطان الغنى بالله سبعا وثلاثين سنة، منها ثلاثة بالمغرب وباقيها بالأندلس وأنه أنشده فى تلك السنوات ستا وستين قصيدة أو مدحة فى ستة وستين عيدا. ويذكر أيضا أن كل ما فى منازل الغنى بالله من القصور والرياض والضياع من نظم رائق ومدح فائق منقوش فى القباب والطاقات والثياب السلطانية فهو له. وينشد المقرى له فى كتابه أزهار الرياض عن كتاب