والقصيدة تتوهج بحماسة ملتهبة، وتتكاثر فيها الصور. -على عادة ابن خفاجة فى شعره-فرفاقه لا يقلّون عن السيف مضاء ولا عن شرار النار بأساودمارا، وإنهم ليتساقون المنايا حتى لكأن سلافتهم وخمرهم فيها نجيع الدماء التى يسفكونها من الأعداء ولا ورد لهم سوى الأسنة الفاتكة بهم، ويقول-تواضعا-إنه ليس صدرهم، بل هو فرد منهم، ويقول إنه خدن وصديق للعلا ورفيق للندى والكرم ووليد للمجد، وإنه ليخوض معهم الحرب وقد أصاب النقع أو الغبار الظّبا بغير قليل من الخضرة كما أصاب الحلل والثياب بغير قليل من الكدرة، وهو يندفع-مثلهم-إلى الأعداء، مقتحما إليهم المنايا الحمر التى تسحقهم سحقا.
وبهذه الروح العاتية التى لا تقهر، يقول الطبيب الشاطبى أبو عامر محمد بن ينّق (١) المتوفى فى آخر سنة ٥٤٧:
دعنى أصاد زمانى فى تقلّبه ... فهل سمعت بظلّ غير منتقل
ولا يرو عنك إطراقى لحادثة ... فالليث مكمنه فى الغيل للغيل
وما تأطّر عطف الرّمح من خور ... فيه ولا احمر صفح السيف من خجل
لا غرو أن عطّلت من حليها هممى ... وهل يعيّر جيد الظبّى بالعطل
وهو يقول دعنى أصادى الزمان وأعارضه فى تقلباته بى وأحداثه معى، وهل سمعت بظل ثابت فى مكانه، ومهما تجهّم لى ونظر إلىّ مكفهرّ الوجه فسأظل مبتسما كالبدر يزداد إشراقا مع الطفل أو الظلام الداجى، وإذا رأيتنى مطرقا إزاء حادثة ملمة فإنه إطراق الليث فى غيله للوثوب على فريسته، ومهما يصبنى من أحداث فلن تثنى إرادتى، وحتى إن ظنّ أنها تنثنى فهو تثنى حد الرمح شديد المضاء، وسأظل قاطعا نافذا كالسيف تسيل على صفحته الحمراء حمرة الظفر، لا حمرة الخجل. وإن هممى لأعظم من أن تتحلى بالرماح والسيوف، فهى أحد من أى سيف وأمضى من أى رمح، وإنها مجردة من تلك الحلى تجرد جيد الظبى رائع الجمال. وهو زهو ما بعده زهو وعجب لا يماثله عجب بمروءته وشخصيته ورجولته.
ونلتقى بسهل بن مالك الأزدى الغرناطى البارع فى العلوم القديمة والحديثة، وكانت
(١) مغرب ٢/ ٣٨٨ وانظر فى ترجمة ابن ينق القلائد ٢١٢ والتكملة ص ١٩٨ ومعجم الصدفى ص ١٦٢ والخريدة ٣/ ٤٦٣