للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو حقا-كان شمسا منيرة فى العلوم ولم يعبه طلوع شمسه من المغرب، فقد أضاءت ما بينه وبين المشرق، ولا تزال تضئ ما بينهما إلى اليوم، وسنفرد له حديثا فى الفصل الأخير.

وتتكاثر على ألسنة أمراء الطوائف أشعار الفخر، يفتخرون بما حققوه من مجد وبكرمهم الفياض وبأسهم وشجاعتهم وحمايتهم لإماراتهم وحسن سياستهم وتدبيرهم، ومن قول المعتضد عباد صاحب إشبيلية (١):

أقوم على الأيّام خير مقام ... وأوقد فى الأعداء شرّ ضرام

وأنفق فى كسب المحامد مهجتى ... ولو كان فى الذّكر الجميل حمامى

وأبلغ من دنياى نفسى سؤلها ... وأضرب فى كل العلا بسهامى

فهو يعيش لإحكام السياسة وسحق الأعداء وكسب المحامد والذكر الجميل بالغا من دنياه كل ما يتمنى محققا لنفسه كل ما يريد من المعالى والأمانى. وسنخص من بين هؤلاء الأمراء عبد الملك بن هذيل بكلمة. ونشعر كأن الفخر يغيض معينه بعدهم فى نفوس الأندلسيين غير أنه بقيت من ذلك بقية من مثل قول (٢) على بن أضحى الهمدانى الغرناطى المتوفى سنة ٥٤٠ للهجرة:

نحن الأهلّة فى ظلام الحندس ... حيث احتللنا فهو صدر المجلس

إن يذهب الدّهر الخئون بعزّنا ... ظلما فلم يذهب بعزّ الأنفس

والبيتان يصوران قوة نفس عزيزة صلدة تنزلق عنها توّا محن الزمن دون أن تنال منها أى نيل. ولابن خفاجة قصيدة يفتخر فيها بنفسه وبرفاق له فى مسقط رأسه بجزيرة شقر يعيشون للبأس والنجدة والنضال وخوض الدماء بخيلهم المحجّلة إلى أعدائهم منزلين بهم صواعق الموت التى لا تبقى ولا تذر، وفيها يقول (٣):

مضاء كما سلّ الحسام من الغمد ... وبأس كما طار الشّرار من الزّند

تساقوا وما غير النجيع سلافة ... تدار ولا غير الأسنة من ورد

وإنى على أن لست صدر قناتهم ... لخدن العلا ترب النّدى لدة المجد

أخوض الظّبا تخضرّ فى النّقع بيضها ... فألقى المنايا الحمر فى الحلل الرّمد


(١) الحلة السيراء (تحقيق د. مؤنس) ٢/ ٤٤.
(٢) مغرب ٢/ ١٠٨.
(٣) ديوان ابن خفاجة (طبع منشأة المعارف بالإسكندرية) ص ٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>