{مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ، وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»}. وتردّد هذا المعنى فى الذكر الحكيم هو الذى يجعلنا نشك فى هذه القصيدة، ونعتقد اعتقادا أنها نظمت فى العصور الإسلامية على هدى التنزيل العزيز، ويدل على ذلك دلالة قاطعة أننا نحس إزاء بعض أبياتها أنها نظم مباشر لبعض آى القرآن الكريم مثل:
ليت شعرى! وأشعرنّ إذا ما ... قيل إقرأ عنوانها وقريت (١)
وأصل هذا البيت قوله تعالى فى سورة الإسراء:{وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً، اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»} وعلى هذه الشاكلة:
ميت دهر قد كنت ثم حييت ... وحياتى رهن بأن سأموت
فإن البيت ترديد لمثل قوله سبحانه:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»}.
والحق أن الشعر المضاف إلى يهود الجاهلية من أمثال السموأل ينبغى أن نحذر منه، وخاصة حين يعلى من أخلاقهم ويسمو بها، أو حين يندمج فى بعض ما يردده القرآن الكريم من أفكار ومعان لم تكن معروفة قبله، ولعله من أجل ذلك لم يرو المفضل الضبى فى مفضلياته شعرا ليهودى، وكأنه لم يثبت عنده شعر لهم.
وإذا كان العرب الشماليون فى الجاهلية استشعروا البغضاء لليهود فلم يتهود منهم أحد، فإنهم لم يحسوا نفس الإحساس إزاء النصرانية والنصارى، وإن ظلوا فى الجملة يحتفظون بدينهم الوثنى ويرون فيه رمز استقلالهم وسيادتهم، وأنه ينبغى أن لا تتخطفهم الديانات من حولهم. وقد كانت المسيحية أمامهم فى الشام دينا للدولة، ودخل فيها الغساسنة كما قدمنا فى غير هذا الموضع، وكانت منتشرة بين الآراميين فيما بين النهرين بالعراق، واعتبقها اللخميون فى أواخر القرن
(١) رواية هذا الشطر فى ابن سلام: «قربوها منشورة فقريت». وقريت: لغة فى قرأت.