للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادس للميلاد، وكانت منتشرة قبل اعتناقهم لها فى جمهور عربى من سكان الحيرة سمى بالعباديين، وتشير الكلمة التى سموا بها، إلى أنهم عباد الله، وكانوا أخلاطا من قبائل شتى. وقد انتشرت فى الجنوب بنجران فكانت مركزا مهمّا من مراكزها، كما انتشرت فى القبائل الشمالية والشرقية مثل قضاعة وكلب وطيئ وبكر وتغلب وتنوخ وتميم، ويزعم اليعقوبى أن نفرا من مكة تنصروا قبيل الإسلام (١). وكل ذلك معناه أن المسيحية كانت منبثة فى الجزيرة وأن كثيرين من العرب الجاهليين دخلوا فيها، ويتردد عند شعرائهم الوثنيين ذكر الراهب المسيحى، وكأنه كان شخصية شعبية معروفة للجميع.

وأشهر شعراء المسيحية فى الجاهلية عدىّ بن زيد (٢) شاعر الحيرة المشهور، وهو من العباديين ومن بيت شريف من بيوتهم النصرانية، خدم أبوه فى دواوين الفرس وفى دواوين المناذرة بالحيرة، ولما أيفع ابنه عدى عنى بتربيته وتأديبه على الطريقة الفارسية، فكان يحسن لغة الفرس كما كان يحسن لغة العرب، وتعلّم الرمى بالنشّاب ولعب العجم على الخيل بالصّوالجة. ولم يلبث أن التحق بديوان كسرى أبرويز بن هرمز (٥٩٠ - ٦٢٨ م) وعهد إليه فيه بالشئون العربية، ويقال إن كسرى أرسله إلى ملك الروم فى بيزنطة بهدية، فلما أتاه بها أكرمه.

وفى أثناء عودته مر بدمشق وهناك انطلق لسانه بالشعر. وعاد إلى الحيرة فوجد أباه قد توفى. وظل مدة متنقلا بين الحيرة والمدائن، وما نلبث أن نرى الأمور تفسد بينه وبين النعمان أبى قابوس، مع أنهم يقولون إنه لعب دورا فى توليته على الحيرة بعد أبيه دون بقية إخوته. ويقال إن الذى أفسد ما بينهما بعض بنى مرينا، إذ زعموا للنعمان أنه يقول إنه عامله وإنه هو الذى ولاه ما ولاّه. فاضطغن عليه النعمان، وانتهز فرصة مجيئه من لدن كسرى ذات مرة، وأمر بحبسه، ولم يجده عنده استعطافه ولا ما نظمه فيه من أشعار. وعلم كسرى فكتب إلى النعمان يأمره


(١) تاريخ اليعقوبى (طبعة أوربا) ١/ ٢٩٨ وراجع المحبر لابن حبيب ص ٧١. وابن هشام ١/ ٢٣٩.
(٢) انظر فى عدى بن زيد الأغانى (طبعة دار الكتب) ٢/ ٩٧ وما بعدها، والشعر والشعراء لابن قتيبة ١/ ١٧٦ وخزانة الأدب ١/ ١٨٤ وما بعدها والموشح للمرزبانى ص ٧٢ وكتاب لويس شيخو: «النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية».

<<  <  ج: ص:  >  >>