للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإطلاقه، غير أن الرسول وجد عديّا قد مات فى سجنه مختنقا. وغضب كسرى حين علم بذلك على النعمان غضبا شديدا، وربما كان هذا الغضب أهم الأسباب فى قضائه عليه كما مر بنا فى غير هذا الموضع.

وأهم الموضوعات التى يدور فيها شعر عدىّ الخمر، وذكر الموت والفناء، وهو فى الموضوع الأول يعد أبا لشعراء الخمر فى الجاهلية من مثل الأعشى، ثم لمن ظهروا فى العصور الإسلامية بعد ذلك من مثل الوليد بن يزيد وأبى نواس. وفى أخبار الوليد أنه كان من ندمائه القاسم بن الطويل العبادى، وكان أديبا ظريفا شاعرا، وكان لا يصبر عنه. ونظن ظنا أنه هو الذى وصله بشعر عدى، إذ كان يرويه له ويغنّى فيه معبد وغيره من المغنين بمثل هذا الصوت (١):

بكر العاذلون فى وضح الصّب‍ ... ح يقولون لى ألا تستفيق

لست أدرى وقد جفانى خليلى ... أعدوّ يلومنى أم صديق

ثم قالوا ألا اصبحونا فقامت ... قينة فى يمينها إبريق (٢)

قدّمته على عقار كعين ال‍ ... دّيك صفّى سلافها الرّاووق (٣)

وواضح أن الأبيات من نفس الألحان والأنغام المعروفة للوليد ومن جاوا بعده من شعراء الخمريات، وكأن القاسم العبادى هو الذى وجه الوليد ليحتذى فى خمرياته على أسلوب عدى وليجرى فى طريقته.

ويروى الرواة لعدى بجانب شعره فى الخمر أشعارا فى الفناء وزوال الحياة، وهى تأخذ عنده أسلوبين: أسلوبا يتحدث فيه عن الحياة والموت وأن الدنيا غير باقية، وأسلوبا قصصيّا يتخذ فيه من التاريخ وهلاك الملوك والأوائل وسيلة إلى العظة والعبرة. ومن الأسلوب الأول قوله على لسان المقابر (٤):

من رآنا فليحدّث نفسه ... أنه موف على قرن زوال (٥)

وصروف الدّهر لا يبقى لها ... ولما تأتى به صمّ الجبال


(١) الأغانى (طبعة دار الكتب) ٧/ ٦٥.
(٢) اصبحونا: اسقونا خمر الصباح.
(٣) الراووق: الدن.
(٤) الأغانى ٢/ ١٣٤.
(٥) قرن: طرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>